التشهير / السمعة, التعبير السياسي
لينغنس ضد النمسا
النمسا
قضية مُنتهية الحكم يُعزز من حُرية التعبير
حرية التعبير العالمية هي مبادرة أكاديمية، ولذلك، نشجعك على مشاركة وإعادة نشر مقتطفات من محتوانا طالما لا يتم استخدامها لأغراض تجارية وتحترم السياسة التالية:
• يجب عليك الإشارة إلى مبادرة جامعة كولومبيا لحرية التعبير العالمية كمصدر.
• يجب عليك وضع رابط إلى العنوان الأصلي للتحليل القضائي أو المنشور أو التحديث أو المدونة أو الصفحة المرجعية للمحتوى القابل للتنزيل الذي تشير إليه.
معلومات الإسناد وحقوق النشر والترخيص لوسائل الإعلام المستخدمة من قبل مبادرة حرية التعبير العالمية متاحة على صفحة الإسناد الخاصة بنا.
هذه القضية متاحة بلغات إضافية: استعرضها بلغة أخرى: English استعرضها بلغة أخرى: Español استعرضها بلغة أخرى: Français
اعتبرت المحكمة العليا بالولايات المُتحدة في هذه القضية أنه لا يُمكن للموظف العمومي كسب دعوى بالتشهير ضدّ مؤسسة اعلامية إلا إذا ما أمكن له الإثبات بأن المؤسسة تحركت عن “خبث فعلي” بنشرها المعلومات.
في خضم حركة الحقوق المدنية التي ميّزت السنوات الستين قرّرت لجنة الدفاع على مارتن لوثر كينغ والصّراع من أجل الحرية في الجنوب عام ١٩٦٠ القيام بتحرّك تمثل في نشر إعلان على صفحة كاملة بصحيفة النيويورك تايمز عكس أمورا عديدة: فقد عبّر الإعلان على التظلمات السياسية وذكر أسماء كل المُساندين لقضية اللجنة ووصف الانتهاكات المُضطهدة التي طالت مؤخرا الأميركيين من أصل إفريقي ودعا إلى جمع الأموال لفائدة صندوق الدفاع القانوني على الدكتور مارتن لوثر كينغ. كان عنوان المقال “انتبه إلى أصواتهم المُتعالية” وقد وصف كيف فشلت مُختلف الهيئات العمومية على غرار أجهزة الشرطة في احترام الحُقوق المدنية لأمريكيين من أصل إفريقي بمناطق الجنوب وخاصة منهم القاطنين بمدينة مونغومري بولاية ألاباما.
جاء في حيثيات المحكمة أن الكثير من المعلومات التي حملتها اللافتة كانت إما خاطئة أو مُضلّلة على أقل تقدير. فلم تصف مثلا الأحداث التي جاءت بالإعلان المنشور على صفحة كاملة ما آلت إليه تلك الأحداث في الواقع وكانت اللغة النقدية مُبالغا فيها وأخيرا كانت بعض الانتقادات الخصوصية المُوجهة للشرطة غير مُبرّرة. فعلى سبيل المثال لم تقم الشرطة “بقفل” أبواب مدرسة محلية من أجل قمع مُظاهرة ولم تجلس ساكنة عندما أُلقيت القنابل على بيت مارتن لوثر كينغ بل عملت قصارى جُهدها على مُلاحقة الجناة بقدر الإمكان.
شغل المُدّعي آل بي سوليفان أحد المُفوّضين المُنتخبين الثلاث لمدينة مونغومري بولاية ألاباما. تشمل وظائف المُفوّضين الإشراف على كل الهيئات الإدارية في المدينة ومنها الشرطة التي كانت محل انتقادات شديدة على الإعلان الإشهاري. رفع سوليفان دعواه في الافتراء بما أنه كان المُشرف على أجهزة الشرطة وبالتالي كان متورّطا حسب ما جاء في التصريحات الخاطئة. يجب التذكير أن الإشهار لم يذكر سوليفان بالاسم. ذكّر القاضي هيئة التحكيم بأنه في حالات الافتراء أي عندما تُسيئ مثلا أقوال خاطئة وظيفة شخص من الاشخاص فإنه لا يجب بالضرورة على المُدّعي بتصريحات خاطئة إقامة الدّليل عن الكيفية التي تضرّرت بها وظيفته وقيمة المبلغ المالي لذلك. وبمعنى آخر فإنه يكفي الإثبات بأن ما جاء في الإعلان انتقد وظيفة سوليفان بصفة خاطئة لكي يتحصل هذا الأخير على تعويض مالي. طالب سوليفان بمبلغ خمسمائة ألف دولار ومنحته إياه هيئة التحكيم.
استأنفت صحيفة النيويورك تايمز هذا الحكم لكن المحكمة العليا بولاية ألاباما أكدت التعويض الذي اقترحته هيئة التحكيم. هذا وتوصلت محكمة الولاية إلى بعض الاستنتاجات القانونية الأخرى إذ ذكرت بصفة خاصة أنه بنشر الإعلان يُمكن استنتاج نية الخُبث والضغينة لأن صحيفة النيويورك تايمز لم تقم بأي مُحاولة للتأكد من صحة الأحداث التي وصفها الإعلان كما لم تُؤكد بأن الأسماء التي جاءت في قائمة مناصري قضايا اللجنة عبرت فعلا عن دعمها لتلك القضايا. قامت إثر ذلك صحيفة النيويورك تايمز برفع الدعوى قضائية أمام المحكمة العُليا بالولايات المتحدة التي قبلت النظر فيها.
اعتبرت المحكمة العليا بالولايات المُتحدة في هذه القضية أنه لا يُمكن للموظف العمومي كسب دعوى بالتشهير ضدّ مؤسسة اعلامية إلا إذا ما أمكن له الإثبات بأن المؤسسة تحركت عن “خبث فعلي” بنشرها المعلومات.
اعتبرت المحكمة الفيدرالية العليا بالولايات المتحدة الأميركية أن قوانين التشهير بولاية ألاباما لم تكن مُناسبة على الإطلاق من حيث تمكين الصحف من حُرياتها في التعبير وفي الصحافة كما جاء بها بالدستور. وبما أن القوانين التي تم بمقتضاها تحميل المسؤولية المدنية لصحيفة النيويورك تايمز كانت باطلة فقد اعتبرت المحكمة العليا بأنه يتعين إعادة النظر في كامل الملف حسب مقتضيات دستور الولايات المتحدة الأميركية.
حسمت المحكمة في البداية وبسرعة أمرين رفضتهما محاكم ألاباما باعتبارهما غير قابلين للتطبيق. أولا ينطبق فعلا التعديل الرابع عشر للدستور على الأفعال الخاصة ولا يقتصر فقط على الأفعال التي تقوم بها حكومات الولايات أو الحكومات المحلية. وبالتالي يحق لصحيفة النيويورك التايمز التمتع بالحماية التي ينصّ عليها هذا التعديل. ثانيا وربما الأهم فإنه لم يكن هناك تمعن دقيق في الخطاب “التجاري” لهذه المسألة بل بالعكس فلأن الإعلان حمل في طياته شكاوى ذات أهمية قصوى للعموم فكان من الضروري تمكينه من آليات الحماية التي توفرها حريات الخطاب والصحافة المنصوص عليها بالدستور.
لاحظت المحكمة ربما بكثير من الفلسفة بأنه في الوقت الذي يُمكن أن يكون الخطاب المنتقد للحكومة “لاذعا” أو عدائيا فِإن المصلحة العامة في حماية مثل هذا الخطاب تفوق بكثير تصريحا ظرفيا “مغلوطا” يخصّ موظفا عموميا. وبالعكس اعتبرت المحكمة بأن المعايير التي يجب تطبيقها من طرف المحاكم عندما تنشر الصحف بيانات أو أقوالا حول موظفين عموميين لا يجب أن تتوقف عما إذا كانت الأقوال صحيحة أو خاطئة بل يتعين على الموظف الحكومي المُدّعي بوجود تشهير إقامة الحُجة على أن الصحيفة نشرت البيان أو الأقوال “بمُكر وبضغينة”. عرّفت المحكمة العليا المُكر بكونه نشر بيانات عن إدراك بكون المعلومات التي تحتويها خاطئة أو التهاون في الاعتراف بكونها خاطئة أو لا. إذا لم يتمكن الشاكي من إثبات الخُبث يحق إذن للصحيفة ممارسة حقها في النشر بمقتضى حرية الصحافة ولا يُمكن مُطالبتها بالتعويض عن اتهام التشهير أو الافتراء.
تتمثل المُشكلة الأساسية في قوانين ألاباما في كونها لم تُطالب بإثبات حجة الخُبث لكي يتمكن الموظف العمومي من الحصول على تعويضات من قبل صحيفة وطنية. يُمكن عند الطلب للمحكمة مُطالبة هيئة التحكيم بتعريف معنى الُبث الفعلي والامتناع عن منح تعويضات قبل إثبات حدوث ذلك الخُبث الفعلي.
يشير اتجاه الحكم إلى ما إذا كان الأخير يُوسع من مدي التعبير أم يُضيقه بناءً على تحليل للقضية.
عززت هذه القضية فعلا حُرية التعبير في الحالات التي يرفع فيها موظف حكومي قضايا ضدّ منشورات من أجل الثلب. في هذه الحالة اعتبرت المحكمة العليا أن مُجرد الإثبات بكون الإعلان خاطئا لا يكفي للمُطالبة بتعويضات مادية إذ يتعين على الموظف العمومي إقامة الدليل بكون الصحيفة نشرت الإعلان “بكل مُكر” قبل المطالبة بتعويض من أجل الثلب.
يوضح المنظور العالمي كيف تأثر قرار المحكمة بمعايير سواء من منطقة واحدة أو عدة مناطق.
تُشير أهمية هذه القضية إلى مدى تأثيرها وكيفية تغير مدى أهميتها بمرور الوقت.
بالطبع يفرض هذا القرار أسبقية مُلزمة على جميع المحاكم الفدرالية ومحاكم الولايات المتحدة الأميركية.