تنظيم المحتوى والرقابة عليه, التشهير / السمعة, التعبير السياسي
لوهي عيسى كوناتي ضد جمهورية بوركينا فاسو
بوركينا فاسو
قضية مُنتهية الحكم يُعزز من حُرية التعبير
حرية التعبير العالمية هي مبادرة أكاديمية، ولذلك، نشجعك على مشاركة وإعادة نشر مقتطفات من محتوانا طالما لا يتم استخدامها لأغراض تجارية وتحترم السياسة التالية:
• يجب عليك الإشارة إلى مبادرة جامعة كولومبيا لحرية التعبير العالمية كمصدر.
• يجب عليك وضع رابط إلى العنوان الأصلي للتحليل القضائي أو المنشور أو التحديث أو المدونة أو الصفحة المرجعية للمحتوى القابل للتنزيل الذي تشير إليه.
معلومات الإسناد وحقوق النشر والترخيص لوسائل الإعلام المستخدمة من قبل مبادرة حرية التعبير العالمية متاحة على صفحة الإسناد الخاصة بنا.
هذه القضية متاحة بلغات إضافية: استعرضها بلغة أخرى: English استعرضها بلغة أخرى: Español استعرضها بلغة أخرى: Français
اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إدانة صحفي انتقد سياسيًا بتُهمة التشهير بالأخير بأنه يُمثل اختراقًا لحقه في حُرية التعبير. وكان الصحفي اتهم السياسي بسبب مواقفه المُناصرة لنازيين سابقين استمرّوا في المُشاركة في السياسة النمساوية ومن ضمنهم رئيس الحزب الليبرالي. واعتبرت المحكمة الأوروبية بأن مُشاركة السياسيين في مُجتمع ديمقراطي تتطلب أن يكون لديهم درجة عالية من التسامح تُجاه الانتقادات.
في التاسع من أكتوبر سنة ١٩٧٥ أي أربعة أيام بعد الانتخابات العامة بالنمسا ظهرت تهمة في حوار تلفزيوني مفادها أن رئيس الحزب الليبرالي فريدريش بيتر كان قد عمل في السرية الأولى للمشاة في الجيش النازي أثناء الحرب العالمية الثانية. وفي اليوم التالي سُئل كرايسكي المُستشار المُتقاعد ورئيس الحزب الاشتراكي النمساوي الذي فاز بالأغلبية البرلمانية مع إمكانية تكوين ائتلاف مع الحزب الليبرالي حول رأيه في هذه التهمة. عبّر كرايسكي أثناء الحوار عن دعمه اللامُتناهي لبيتر.
دفع هذا الحوار الصحفي النمساوي لينغنس إلى نشر مقالين منفصلين يتساءل فيهما عن دعم كرايسكي لبيتر. قال في المقال الأول أنه من غير المقبول أن يُشارك النازيون السابقون في العملية السياسية وانتقد دعم كرايسكي لبيتر. أما في المقال الثاني فقال أنه “لا يُمكن في الحقيقة انتقاد سلوك السيد كرايسكي لأسباب عقلانية بل فقط من أجل دوافع مُنافية للمنطق: فهو سلوك فاجر ومُخجل” (الفقرة ١٥). كما اتهم لينغنس المُستشار المُتقاعد بكونه لا يكترث بضحايا النازية وانتهى إلى أنه “إذا ما استعمل برونو كرايسكي سُمعته الشخصية لتطوير النمسا وازدهارها بنفس الطريقة التي استعملها لحماية السيد بيتر لكان بالإمكان إعطاء هذا البلد بعد مُضي ثلاثين سنة أكثر شيء تحتاجُه للتجاوز وتتصالح مع ماضيها: ثقة أكبر بالنفس” (الفقرة ١٦).
نتيجة لذلك رفع كرايسكي بشكل شخصي قضيتين تشهير ضد الصحفي بمُقتضى الفصلين ١١١ و١١٢ للقانون الجزائي بالنمسا. في ٢٦ مارس ١٩٧٩ اثبتت المحكمة الإقليمية بفيينا تُهمة التشهير ضُدّ لينغنس بسبب ما كتبه من عبارات “أدنى درجات الانتهازية” و”فاجر ومُخجل”. واعتباراً لظروف التخفيف ومن بينها أن المقالات تهدف إلى التعبير على انتقادات سياسية ضد رجل سياسي وقّعت المحكمة غرامة مالية قدرُها عشرين ألف شيلينغ وأمرت بمصادرة المقالين بينما ألغت محكمة الاستئناف بفيينا لاحقا هذا الحكم للنظر فيما كان يحُق لكرايسكي رفع دعوة شخصية في هذا الشأن.
عند إحالة الملف من جديد ارتأت المحكمة الإقليمية بفيينا أن المُستشار المُتقاعد مؤهل لرفع الدعوى لأن الانتقاد وُجه إليه لا بصفته الرسمية إنما بصفته رئيس حزب وبشخصه. أما بالنسبة لموضوع الدعوى فقد أكّدت المحكمة حُكمها السابق ضدّ لينغنس فقام هذا الأخير بالاستئناف أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حيث ذكر من ضمن عدد من المسائل الأخرى أن إدانته تُمثل تعدّيا على حقه في التعبير إلى درجة تتعارض فيها مع المبادئ الأساسية للمجتمعات الديمقراطية.
اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن الإدانة من أجل التشهير تُمثل تدخلا في حق لينغنس في حُرية التعبير الذي لا يُمكن تبريره إلا “بقوة القانون” وهو “ضروري في مجتمع ديمقراطي” من أجل البحث عن تحقيق أهداف مشروعة. وارتأت المحكمة أن التدخل شرّعه القانون فعلا وأن الهدف منه هو حماية سمعة الآخرين لكن المشكلة القائمة كانت تتمثل فيما إذا كان ذلك “ضروريا في مُجتمع ديمقراطي”.
أكد لينغنس بأنه بصفته صحفي سياسي يتحمّل واجب التعبير عن آرائه وانتقاد المُستشار المُتقاعد “الذي اعتاد هو بنفسه مُهاجمة مُعارضيه وكان عليه توقّع انتقادات شديدة وضارية أكثر من أي شخص آخر” ا(الفقرة ٣٧). في المُقابل ذكرت حكومة النمسا بأن “حُرية التعبير لا يُمكن أن تمنع المحاكم الوطنية من مُمارسة حقها التحفظي واتخاذ الإجراءات الضرورية في أحكامها من أجل أن لا يتحوّل الحوار السياسي إلى تبادل للشتائم بين الأفراد” (الفقرة ٣٧).
فسرت المحكمة في البداية أن مفهوم “الضرورة” يعني ضمنياً وجود حاجة اجتماعية مُلحّة. بينما تتمتع الدول بهامش من الحرية في اعتبار وجود تلك الحاجة فإن مهام المحكمة تتمثل في الإقرار النهائي بما إذا كان ذلك التحديد يتناسب مع الحق في حُرية التعبير المنصوص عليه في الفصل العاشر. واعتبارا لذلك فإن المحكمة لا تعتمد فقط على قرارات المحاكم الوطنية المُنعزلة بل “يجب عليها أن تنظر إليها في ضوء القضية بصفة عامة بما في ذلك المقالين الذين يُمثلا أساس الدعوى والسياق الذي تمت فيه كتابتهما” (الفقرة ٤٠).
وكما وقع تطبيقه في القضية الحالية فقد أكدت المحكمة على الأهمية الخاصة التي تتميّز بها الصحافة في نشر “المعلومات والأفكار حول القضايا السياسية على غرار مجالات أخرى من الشأن العام” (الفقرة ٤١). على الرغم من أن الصحافة قد لا تتجاوز حدودها بما في ذلك حماية سُمعة الآخرين فإن مجال الانتقاد الذي يُمكن قبوله من طرف الصحافة “يكون أكبر بكثير لدى السياسيين مما يكون عليه لما يتعلق الأمر بالأشخاص الخاصة” (الفقرة ٤٢). وأكدت المحكمة أيضا انه على الرغم من ضرورة تمتع السياسيين بحماية سُمعتهم حتى وإن كانوا لا يتصرفون بصفتهم الشخصية”فإنه يجب موازنة متطلبات هذه الحماية في علاقتها بمصالح النقاش المفتوح حول القضايا السياسية” (الفقرة ٤٢).
وأضافت المحكمة الأوروبية أن المحاكم النمساوية اعتبرت أن المقالات المُفندة تحتوي على بعض العبارات المُخجلة والتي يُمكن أن تُسيء إلى سُمعة كرايسكي. وفي نفس الوقت اكدت المحكمة على أن المقالات كانت تتعلق بمسائل سياسية ساخنة تهمّ الشأن العام في النمسا حول مُشاركة النازيين السابقين في نظام الحكم بالبلاد بعد الانتخابات العامة. علاوة على ذلك ارتأت المحكمة أن الغرامة المالية ومصادرة المقالات فيما بعد “يُمكن أن تُثني الصحفيين عن المُشاركة في النقاش العام حول مسائل تهم المجتمع” (الفقرة ٤٤). وأخيرا اتفقت المحكمة مع لينغنس بأن المُلاحظات التي عبّر عنها في المقالات تُمثل أحكاما تقديرية وتُمثل ممارسة لحقه في حرية التعبير وبأن المحاكم الوطنية في النمسا أخطأت بدعوته إلى إثبات حقيقة هذه الأقوال. شرحت المحكمة أنه على الرغم من إمكانية إثبات الحقائق فإن إثبات حقيقة الأحكام التقديرية غير ضروري. بالإضافة إلى ذلك اعتبرت المحكمة أن المواقف السياسية للينغنس كانت مؤكدة ولا جدال عليها وتم التعبير عنها بحسن نية.
بالاعتماد على الأسباب المذكورة أعلاه اعتبرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن إدانة لينغنس تُمثل انتهاكا لحقه في حُرية التعبير.
يشير اتجاه الحكم إلى ما إذا كان الأخير يُوسع من مدي التعبير أم يُضيقه بناءً على تحليل للقضية.
يُعتبر هذا الحكم من ضمن الأحكام التقليدية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ويقتضي بأنه يتعين على السياسيين توقع مزيدا من الانتقادات لأعمالهم ولأدائهم بالمُقارنة مع المواطنين العاديين. يجب أن تمنحهم قوانين الثلب أقل درجات من الحماية عوضا على حماية أكبر كما كان عليه الحال في عديد الدول في تلك الفترة. يُمثل هذا الحكم حجر زاوية في فقه القانون المُنظم لحُرية التعبير لدى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
يوضح المنظور العالمي كيف تأثر قرار المحكمة بمعايير سواء من منطقة واحدة أو عدة مناطق.
تُشير أهمية هذه القضية إلى مدى تأثيرها وكيفية تغير مدى أهميتها بمرور الوقت.
إن قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مُلزمة على أطراف القضايا وتُمثل أسبقية ذات سلطة على تأويل الحق في حُرية التعبير لبقية الدول الأعضاء في المُعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان.
أشارت عديد المحاكم في مُختلف أنحاء العالم إلى هذا الحُكم الذي يُعتبر مرجعا هاما في مجال القوانين المُنظمة لحُرية التعبير.