تنظيم المحتوى والرقابة عليه, التشهير / السمعة
أكسل سبرينغر ضد ألمانيا
ألمانيا
قضية مُنتهية الحكم يُعزز من حُرية التعبير
حرية التعبير العالمية هي مبادرة أكاديمية، ولذلك، نشجعك على مشاركة وإعادة نشر مقتطفات من محتوانا طالما لا يتم استخدامها لأغراض تجارية وتحترم السياسة التالية:
• يجب عليك الإشارة إلى مبادرة جامعة كولومبيا لحرية التعبير العالمية كمصدر.
• يجب عليك وضع رابط إلى العنوان الأصلي للتحليل القضائي أو المنشور أو التحديث أو المدونة أو الصفحة المرجعية للمحتوى القابل للتنزيل الذي تشير إليه.
معلومات الإسناد وحقوق النشر والترخيص لوسائل الإعلام المستخدمة من قبل مبادرة حرية التعبير العالمية متاحة على صفحة الإسناد الخاصة بنا.
هذه القضية متاحة بلغات إضافية: استعرضها بلغة أخرى: English استعرضها بلغة أخرى: Español استعرضها بلغة أخرى: Français
ادعى المحامي البنمي، تريستان دونوسو خلال مؤتمر صحفي أن النّائب العام الوطني آنذاك قد تنصت بشكل غير قانوني على اتصالاته الهاتفية الخاصة وسجلها وكشف عنها. صرّح دونوسو بذلك في سياق جدل وطني بشأن مدى سلطة الموظّف العمومي للتنصّت على الاتّصالات. تمّت محاكمة النّائب العام وصدر حكم ببراءته من جريمة التنصت غير القانوني. أدين تريستان دونوسو بجريمة الإسناد الكاذب لجريمة تستوجب المقاضاة (الافتراء) لأنّه ابلغ عن النّائب العام، وحكم عليه بدفع تعويضات مادية ومعنوية للنّائب العام آنذاك. نظرت محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان في القضية وخلصت إلى أنه من الواضح أن العقوبة الجنائية المفروضة على تريستان دونوسو غير ضرورية، وأن الخوف من التعرض لعقوبة مدنية مبالغ فيها كان له تأثير سلبيّ على حرية التعبير.
أجرى المحامي سانتاندير تريستان دونوسو محادثة هاتفية مع والد أحد موكليه يدعى وليد زايد. تبادل خلال المحادثة معه وجهات النّظر والمعلومات حول التمويل المزعوم، بأموال الاتجار بالمخدرات، لحملة النّائب العام آنذاك لإعادة انتخابه لولاية تشريعيّة ثانية.
في وقت لاحق، أرسل المدّعي العام إلى النائب العام الأسبق تسجيلًا صوتيًّا بالمحادثة بين زايد وتريستان دونوسو التي تم تسجيلها “دون إذن من النّيابة العموميّة [مكتب النّائب العام]، لأنها تمت بمبادرة خاصة”. [الفقرة ٤٠] بأمر من النّائب العام الأسبق، تم إرسال نسخة من التّسجيل ونصّه إلى رئيس أساقفة بنما الذي أرسله بدوره إلى عضوين من الكنيسة. أبلغ أحد أعضاء الكنيسة تريستان دونوسو بوجود التسجيل. اجتمع النّائب العامّ الأسبق مع مجلس إدارة نقابة المحاميين وقام خلال الاجتماع بتشغيل التسجيل معلّقًا بقوله “هذا التسجيل هو..نوع من المؤامرة” بهدف “المسّ من شخصه أو من سمعة النّيابة العموميّة [مكتب النّائب العام]”. كما قال أنّ التّسجيل يحتوي على “صوت..السيد زايد وصوت المحامي سانتاندير تريستان دونوسو”. [الفقرة ٤٤]
أبلغ تريستان دونوسو المسؤول الأسبق بعدم رضاه وطالب بتفسير.
بعد ثلاث سنوات، في خضم نقاش عام حاد حول مدى سلطة النّائب العام لإصدار أمر بالتنصّت على المكالمات الهاتفيّة وتسجيلها، عقد تريستان دونوسو مؤتمرا صحفيّا في مقر العمادة الوطنيّة للمحامين في بنما وأعلن ما يلي:
” في ذلك التّاريخ الحزين، يوليو من سنة 1996، كانت لي مكالمة هاتفيّة مع والد موكّلي [وليد زايد، الذي وجّهت له تهمة غسيل الأموال] تولّى النّائب العام تسجيلها وقد توصّلت إلى نسخة من ذلك التّسجيل. لم يقتصر الأمر على التّسجيل، بل استخدم النّائب العام ذلك التّسجيل لعقد اجتماع مع مجلس إدارة نقابة المحاميين..ليعلم أعضاء المجلس بأنّني طرف في مؤامرة ضد شخصه وقد أجاب عليه محاميان شريفان كانا حاضرين في ذلك الاجتماع التاريخي..بأنّ ما كان يقوم به من أفعال في تلك اللحظة يشكّل جريمة.” [الفقرة ٩٥]
كما استجوب العديد من المسؤولين الحكوميين علنًا النائب العام آنذاك حيث قدّم القاضي المدني رقم ثلاثة شكوى جنائية ضده للتنصت بشكل غير قانوني على هاتف قاعة المحكمة. على ضوء ذلك، أصدر أمين المظالم بيانًا صحفيًا أعلن فيه أن “التنصت على المحادثة الهاتفية الذي صدر الأمر به من النّائب العام..ضد القاضي المدني رقم ثلاثة يشكّل أمرًا غير مقبول ومشين وخطير للغاية”. [الفقرة ٩٨]. كما وجّه رئيس المحكمة العليا مذكرة إلى النّائب العام آنذاك، قال فيها: “لم تمنحك محكمة العدل العليا، سيّدي النّائب العام، موافقة مطلقة أو على بياض لإصدار أمر بالتنصت على الاتصالات الهاتفية.” [الفقرة ١٠٠]
تقدّم تريستان دونوسو بدعوى جنائية ضد النّائب العام الأسبق بتهمة “إساءة استخدام السلطة والاخلال بالواجب من قبل موظّف عمومي.” قضت المحكمة العليا في حكمها النّهائي “برفض الشكوى المقدمة” وتبرئة النّائب العام الأسبق “على نحو نهائيّ.” [الفقرة ٤٨]
في اليوم الموالي للمؤتمر الصحفي، تقدّم النّائب العام الأسبق بدعوى جنائيّة لدى مكتب المدعي العام المساعد ضد دونوسو بتهمة الإسناد الكاذب لجريمة تستوجب المقاضاة (الافتراء) والتشهير والقذف. كما طالب بتعويضات عن الضّرر الذي لحقه تبلغ ١،١٠٠،٠٠٠ بالبوا. برأت المحكمة الابتدائية تريستان دونوسو. بيد أن محكمة الاستئناف نقضت حكم البراءة وحكمت على ترسيتان دونوسو بالسجن لمدة ١٨ شهرًا وبفقدان الأهليّة لشغل منصب عام لفترة مساوية لأنه ارتكب جريمة الإسناد الكاذب لجريمة تستوجب المقاضاة (الافتراء). استبدلت محكمة الاستئناف عقوبة السجن بـ٧٥ يوم-غرامة وأمرته بدفع تعويضات مادية ومعنوية لفائدة النّائب العام دون تحديد مبلغ تلك التّعويضات تاركة الأمر للمحكمة الابتدائيّة.
عند وقوع الأحداث، كان القانون الجنائي البنمي ينص على أحكام بالسجن على هذه الجرائم وينصّ بالتّحديد فيما يتعلّق بالافتراء على ما يلي: “البند ١٧٢: يعاقب بغرامة تتراوح بين ٩٠ و١٨٠ يوم -غرامة كلّ من يتّهم غيره زورًا بارتكاب فعل يعاقب عليه القانون”. كما ينصّ البند ١٧٣ (أ) على ما يلي: “البند ١٧٣(أ): عندما ترتكب الجرائم المنصوص عليها في البندين ١٧٢ و٢٧٣ عن طريق وسيلة إعلام، تكون العقوبة المطبقة السجن لمدة تتراوح بين ١٨ و٢٤ شهرًا في حالة الافتراء والسجن لمدة تتراوح بين ١٢ و١٨ شهرًا في حالة القذف.” فيما بعد، تمّت مراجعة القانون الجنائي لإلغاء عقوبة السجن عندما يتمّ توجيه هذا النّوع من التّعبيرات ضد كبار الموظّفين العموميّين.
نظرت محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان في القضية وخلصت إلى أن الحكم الجنائي غير ضروري وأن العقوبات المدنية غير متناسبة، وعليه فقد انتهكت الدّولة حريّة التّعبير.
كانت محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان مدعوّة لتحديد ما إذا انتهكت دولة بنما الحق في حرية التعبير المنصوص عليه في البند ١٣ من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان عندما سلّطت على تريستان دونوسو عقوبة جنائية وطالبته بدفع تعويضات لقوله علنًا أن النّائب العام تنصت بشكل غير قانوني على محادثاته الخاصة وكشف عنها وخاصّة عندما تمّ النّطق ببراءة النّائب العام من الجريمة المنسوبة إليه.
أكدت المحكمة من جديد أن البند ١٣ من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان يضمن حرية التعبير لجميع الأفراد، وبالتالي فهو ليس حقًا يقتصر على مهنة أو مجموعة محددة من الناس. أشارت المحكمة إلى أن حرية التعبير تشمل الحق في “البحث عن مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها وتلقي المعلومات والأفكار التي يفصح عنها الآخرون والوصول إليها.” [الفقرة ١٠٩]
فيما يتعلق بالحق في الشرف المكفول بموجب البند ١١ من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، أشارت المحكمة إلى أن الخطاب المتعلّق بكفاءة فرد ما لشغل منصب عام أو بسلوك الموظفين العموميين يتمتع بمستوى أعلى من الحماية. كما أكّدت المحكمة أن الديمقراطية تفرض أن يتجاوز عمل الموظفين العموميين “حياتهم الخاصة ويتوسّع ليدخل في مجال النّقاش العام وليس لهذا الحيّز أيّ علاقة بشخص الموظّف العموميّ، بل بالمصلحة العامّة المرتبطة بالعمل الذي ينجزه الموظّف.” [الفقرة ١١٥] إضافة إلى ذلك، “فهذا المعيار المختلف في مجال حماية الشرف مبرّر لأنّ الموظفين العموميين يعرضون أنفسهم طواعية لمراقبة المجتمع، مما يؤدي إلى تزايد خطر المساس بشرفهم وأيضًا، وبسبب وضعهم ذلك، إمكانية أن يكون لهم تأثير اجتماعي أكبر وسهولة الوصول إلى وسائل الإعلام لتقديم تفسيرات أو لمناقشة الفعاليّات التي يشاركون فيها.” [الفقرة ١٢٢]
بناءً على ذلك، شددت المحكمة على “ضرورة أن تأخذ السلطة القضائية في الاعتبار السياق الذي يتمّ فيه الإدلاء بتصريحات تتعلق بالمصلحة العامة. كما يجب أن يتولّى القاضي “تقييم مدى احترام حقوق وسمعة الغير في علاقة بقيمة النقاش الحرّ صلب المجتمعات الديمقراطيّة حول المسائل التي تشغل النّاس وتثير اهتمامهم.” [الفقرة ١٢٣]
وعليه أشارت المحكمة إلى أن الحق في حرية التعبير ليس حقًا مطلقًا وأن الاتفاقية تنصّ على إمكانية فرض مسؤوليات لاحقة عند إساءة استخدام هذه الحرية. يجب أن تكون القيود استثنائية وتفي بالمعايير المنصوص عليها في البند ١٣.٢ من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان: أن ينص عليها القانون، وأن تكون موجهة لتحقيق غرض مشروع، وأن تكون ضرورية ومتناسبة.
عند النّظر في القضيّة، أشارت المحكمة إلى أن جريمة الإسناد الكاذب لجريمة تستوجب المقاضاة (الافتراء) التي صدر فيها حكم ضدّ تريستان دونوسو منصوص عليها في القانون بالمعنى الرسمي والمادي. بالإضافة إلى ذلك، جادلت المحكمة بأن حماية السّمعة والشّرف كان غرضًا مشروعًا طبقًا لمتطلّبات الاتفاقية وأن الإجراءات الجنائية هي آلية مناسبة لتحقيق هذا الغرض.
فيما يتعلق بمعيار الضّرورة، أشارت المحكمة إلى أنه في نظام ديمقراطي، “لا تمارس السلطة العقابية إلا للضّرورة القصوى لحماية المصالح الأساسية المكفولة قانونًا ضدّ الهجمات الأكثر خطورة التي قد تضرّ بها أو تعرضها للخطر وأنّ عكس ذلك الاجراء من شأنه أن يؤدي إلى ممارسة تعسفيّة للسلطة العقابية للدولة.” [الفقرة ١١٩] شددت المحكمة على أنه يجب فحص الآليات الجنائية “بحذر خاص” عند استخدامها كتدابير تقيد حرية التعبير. حددت المحكمة أن التحليل يجب أن يزن “الخطورة الشديدة لسلوك الفرد الذي عبر عن الرأي والتشهير أو القذف الفعلي وخصائص الضرر المجحف الذي تسبّب فيه وغيرها من المعلومات التي تبيّن الضرورة المطلقة للجوء إلى الإجراءات الجنائية على نحو استثنائيّ. في جميع المراحل، يجب أن يكون عبء الإثبات على عاتق الطرف الذي يرفع الدعوى الجنائية.” [الفقرة ١٢٠]
اعتبرت محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنس أن شكوى تريستان دونوسو بشأن تنصّت النّائب العام بشكل غير قانوني على مكالمة خاصة تشكّل مسألة “بالغة الأهميّة للمصلحة العامّة” في سياق النقاش الحاد حول السلطة التي يتمتّع بها المسؤول الحكومي لإصدار أمر بالتنصّت. كما ذكرت المحكمة بالفعل أن التأكيد على طريقة اضطلاع الموظف العمومي رفيع المستوى بمهامّه، وما إذا كان سلوك المسؤول يتوافق مع النظام القانوني الوطني، تدخل في نطاق المصلحة العامة. [الفقرة ١٢١]
أضافت المحكمة أن تريستان دونوسو، في هذا السياق، لديه أسباب وجيهة تجعله يعتبر أنّ تصريحاته العلنية صحيحة. قالت المحكمة في الغرض “عندما نظّم تريستان دونوسو المؤتمر الصحفي، كانت هناك معلومات والعديد من البيانات المهمّة ممّا يدعو إلى اعتبار أن تصريحه لم يكن بلا أساس فيما يتعلق بمسؤولية النّائب العام الأسبق في تسجيل المحادثة..بناءً على كافّة هذه العناصر، خلصت المحكمة إلى أنّه لا يمكن تأييد القول بأنّ تصريح تريستان دونوسو ليس له أساس من الصحّة، بالتالي فإن سبيل الانتصاف الجنائي كان إجراءً ضروريًا.” [الفقرات ١٢٥-١٢٦]. لذلك أعلنت المحكمة أنه على الرغم من أن العقوبة المتمثلة في غرامة ٧٥ يوم لم تكن مفرطة “فإن الإدانة الجنائية المفروضة كشكل من أشكال المسؤولية اللاحقة في قضيّة الحال ليست ضرورية..نظرًا إلى أنّ الانتهاك المزعوم للحق في الشرف..يؤدّي إلى انتهاك الحق في حرية الفكر والتعبير المنصوص عليه في المادة ١٣ من الاتفاقية الأمريكية.” [الفقرة ١٢٩]
شددت المحكمة كذلك على أن “الخوف من عقوبة مدنية، حيث طالب النّائب العام الأسبق بتعويضات باهظة جدًّا، قد يتسبّب في الترهيب وشلل ممارسة حرية التعبير بنفس القدر أو أكثر من العقوبة الجنائية، لأنها قد تمسّ الحياة الخاصّة والعائليّة لمن يوجّه تهمة ضدّ موظّف عموميّ ممّا سيفضي بشكل واضح وسلبيّ للغاية إلى فرض الرّقابة الذاتيّة على الطرف المتضرر أو على غيره من المنتقدين المحتملين للإجراءات التي يتخذها الموظّف العمومي.” [الفقرة ١٢٩]
باعتبار الحجج المذكورة أعلاه، خلصت المحكمة إلى أن الإدانة الجنائية لتريستان دونوسو تنتهك الحق في حرية التعبير بموجب البند ١٣ من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان.
يشير اتجاه الحكم إلى ما إذا كان الأخير يُوسع من مدي التعبير أم يُضيقه بناءً على تحليل للقضية.
أكدت محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان في هذا القرار مجدّدًا فقهها القضائي المتعلّق بالحماية المعززة التي يتمتع بها الخطاب الذي يشمل الموظفين العموميين والقضايا ذات الاهتمام العام، مشددة على أن هذه الدّرجة المتباينة للحماية يمكن أن تغطّي الآراء والبيانات الواقعيّة إذا كانت هناك أسباب كافية للاعتقاد في صدق الادعاء. وهي أيضًا أوّل قضيّة يتمّ فيها الإقرار بأنّ الخوف من التّداعيات غير المتناسبة للعقوبة المدنيّة قد يتسبّب في شلل ممارسة حرية التعبير على نحو أعمق ممّا تتسببّ فيه تداعيات الملاحقة الجنائيّة.
يوضح المنظور العالمي كيف تأثر قرار المحكمة بمعايير سواء من منطقة واحدة أو عدة مناطق.
تُشير أهمية هذه القضية إلى مدى تأثيرها وكيفية تغير مدى أهميتها بمرور الوقت.