المراقبة / التصنت, العنف ضدّ المتحدّثين/الإفلات من العقوبة, الأمن الالكتروني / الجريمة الالكترونية, الأمن القومي, الخصوصية وحماية البيانات والاحتفاظ بها
صحيفة التلغراف ورابطة الصحفيين الهولندية وجمعية المحررين الهولندية واخرون ضد هولندا
هولندا
قضية مُنتهية الحكم يُعزز من حُرية التعبير
حرية التعبير العالمية هي مبادرة أكاديمية، ولذلك، نشجعك على مشاركة وإعادة نشر مقتطفات من محتوانا طالما لا يتم استخدامها لأغراض تجارية وتحترم السياسة التالية:
• يجب عليك الإشارة إلى مبادرة جامعة كولومبيا لحرية التعبير العالمية كمصدر.
• يجب عليك وضع رابط إلى العنوان الأصلي للتحليل القضائي أو المنشور أو التحديث أو المدونة أو الصفحة المرجعية للمحتوى القابل للتنزيل الذي تشير إليه.
معلومات الإسناد وحقوق النشر والترخيص لوسائل الإعلام المستخدمة من قبل مبادرة حرية التعبير العالمية متاحة على صفحة الإسناد الخاصة بنا.
هذه القضية متاحة بلغات إضافية: استعرضها بلغة أخرى: English استعرضها بلغة أخرى: Español استعرضها بلغة أخرى: Français
اعتبرت المحكمة العليا في الهند وجود قضية من حيث الظاهر لإنشاء لجنة خبراء للبحث في مزاعم رصد غير مُصرّح به وانتهاكات ضدّ الخصوصية من قبل الحكومة الهندية وأطراف أجنبية على مواطنين هنود. فقد صرّح العديد من أصحاب الشكاوى بمن فيهم صحفيون ومحامون وناشطون آخرون في مجال حقوق الإنسان أن أجهزتهم الرقمية تعرضت للخطر من خلال برامج تجسس بيغاسوس التي طورتها شركة تكنولوجيا إسرائيلية بالاعتماد على تحقيق أجرته 17 مؤسسة إعلامية من جميع أنحاء العالم. قضت المحكمة بأن المراقبة غير المصرح بها للبيانات المخزنة في الأجهزة الرقمية للمواطنين من خلال برامج التجسس لأسباب أخرى غير أمن البلاد تُعتبرُ غير قانونية ومرفوضة ويمكن أن يكون لها عواقب بعيدة المدى ليس فقط على حقوق الخصوصية ولكن أيضا على الحق في حرية التعبير. ونظرا لرفض الحكومة تقديم معلومات في إطار الدفاع الشامل عن “الأمن القومي”، رأت المحكمة أنها لم تقدم معلومات كافية لتبرير موقفها وأمرت بالتالي بإنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في ادعاءات الملتمسين.
أصحاب الشكاوى في هذه القضية مجموعة من المواطنين الهنود يشملون صحفيين ومحامين ونشطاء حقوق الإنسان اعتبروا بأنهم تأثروا بشكل مباشر ببرامج تجسس بيغاسوس إلى جانب العديد من المتقاضين الآخرين المعنيين بالمصلحة العامة بشأن المراقبة غير المصرح بها والتنصّت للاتصالات في الهند.
كشف مختبر أبحاث كندي يُدعى سيتيزن لاب في سبتمبر 2018 أن بعض وكالات الاستخبارات الحكومية وإنفاذ القانون لم تذكرُها بالاسم كانت تستخدم بيغاسوس وهي “مجموعة برامج للتجسس” طورتها شركة تكنولوجيا إسرائيلية (مجموعة إن إس أو). يُعرّض البرنامج الجهاز الرقمي للشخص للخطر من خلال منح مستخدم بيغاسوس إمكانية النفاذ على المُباشر إلى بيانات هذا الشخص المخزنة بالكامل ورسائل البريد الإلكتروني والنصوص والمكالمات الهاتفية والكاميرا والتسجيلات الصوتية. ويُمنح مُستخدم بيغاسوس قوّة السيطرة الكاملة على الجهاز فيمكنه بعد ذلك التحكّم عن بعد في وظائف مختلفة من الجهاز دون أي إجراء من قبل مالك الجهاز. قدّر مُختبر سيتيزن لاب أن البرنامج أثّر على مواطنين من حوالي 45 دولة. في مايو 2019، أعلنت شركة الرسائل الفورية العملاقة “واتساب” يأنه كان بإمكان بيغاسوس التسلّل إلى أجهزة مستخدمي واتساب. وفي 20 نوفمبر 2019، كشف وزير القانون والإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات الهندي آنذاك في البرلمان أن بعض المواطنين الهنود قد تأثروا بالبرمجيات.
في 15 يونيو 2020، أعلن مُختبر سيتيزن لاب ومُنظمة العفو الدولية أنهم اكتشفوا حملة تجسس أخرى استهدفت تسعة أشخاص في الهند. وفي 18 يوليو 2021، كشفت 17 مؤسسة إعلامية من مُختلف أنحاء العالم بما في ذلك منظمة هندية (“ذي واير”) عن قائمة تضم حوالي 50 ألف رقم هاتف محمول يُزعم أنه تم اختراقها بواسطة برنامج بيغاسوس (وبالتالي تحت المراقبة من قبل عملاء مجموعة إن إس أو). ونتيجة لذلك، بدأت الحكومات الأجنبية إما بالتواصل مع الحكومة الإسرائيلية أو بالشروع في تحقيقات داخلية في الادعاءات. يُزعم أن حوالي 300 من أرقام الهواتف المعنيّة تخصّ صحفيين هنديين وأطباء وشخصيات سياسية وموظفي محاكم. هذا وقد تم تأكيد العثور على برنامج بيغاسوس في عشرة هواتف مواطن هندي عند تقديم التماسات الأوامر.
في 18 يوليو 2021، شكك وزير السكك الحديدية والاتصالات والإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات (يُمثّل الحكومة الهندية وكان المدّعى عليه في هذه القضية) في الأساس الواقعي للتقارير ونفى حدوث أي مراقبة غير قانونية. وأكّد الوزير أيضا على الطابع “الصارم للغاية” للقوانين الهندية المتعلقة بالمراقبة واعتراض الاتصالات وأنه لا يمكن إجراء أي مراقبة غير قانونية بموجب ذلك النظام. [الفقرة 8].
في 10 أغسطس 2021، تم تقديم العرائض إلى الوكيل العام للهند. قدّم أصحاب العرائض مطالبهم لإصدار الأوامر أمام المحكمة العليا في الهند ضد المدعى عليه (الحكومة الهندية) مطالبين بإجراء تحقيق مستقل في مزاعم المراقبة غير القانونية والهجوم الإلكتروني وانتهاك خصوصية هؤلاء المواطنين الهنود. واستشهد الملتمسون بتقاعس المُدّعى عليه عن النظر بشكل مناسب في الادعاءات التي أثارتها العديد من التقارير في استخدام برمجيات بيغاسوس وتساءلوا عما إذا كان المُدّعى عليه ووكالاته من عملاء مجموعة إن أس أو دون اتباع النظام القانوني المعمول به فيما يتعلق بالمراقبة في الهند.
أصدر قاضي قضاة الهند ن ف رامانا والقاضي هيما كوهلي والقاضية سوريا كانط حكم المحكمة العليا في الهند بصفتهم مجلس من ثلاثة قضاة جالسين في 27 أكتوبر 2021. تمثّلت المسألة الرئيسية التي وجب النظر فيها في ما إذا كان أصحاب العرائض قد رفعوا دعوى ظاهرة الوجاهة بشكل كاف ضد المدعى عليه فيما يتعلق بمراقبة مزعومة غير مأذون بها وانتهاك للخصوصية، الأمر الذي يُبرّر إنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في الادعاءات.
حُجج أصحاب العرائض
أثار الملتمسون حججا مختلفة ضد المُدّعى عليه. ولتعزيز ادعاءاتهم، اعتمدوا على شهادات مختلفة من خبراء الأمن السيبراني وتقارير تم التحقق منها من مختلف المؤسسات الإخبارية ذات السمعة الطيبة في جميع أنحاء العالم وتقارير منظمات مثل سيتيزن لاب.
والأهم من ذلك، اعتبر الملتمسون أن المراقبة غير المصرح بها للمدعى عليه من خلال برنامج بيغاسوس للتجسس لم تنتهك حقهم في الخصوصية فحسب بل تُمثل أيضا “تهديدا مُروّعا” ضد حريتهم في التعبير. [الفقرة 21]. وأضافوا بأن برنامج بيغاسوس يمكن استخدامه ليس فقط لمراقبة جهاز الفرد ولكن أيضا لزرع وثائق وأدلة مزورة فيه – والتي يمكن أن تُورّط الشخص المعني. وبالتالي، تقع على عاتق المدعى عليه مسؤولية “اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية مصالح المواطنين وحقوقهم الأساسية لا سيما في حال وجود خطر تنفيذ الهجوم من طرف كيان أجنبي”. [الفقرة 19]. كما ادّعى الملتمسون أيضا أنه على الرغم من اعتراف البرلمان في عام 2019 بحدوث شكل من أشكال القرصنة، لم يتم اتخاذ أي إجراء لاحق – وهو ما يشكّل “مصدر قلق بالغ”. [الفقرة 18]. بدلا من ذلك، رفض المُدّعى عليه تقديم أي معلومات حول المسألة الحالية – وبالتالي فإن حجب المعلومات ينتهك حقوقهم الأساسية كمواطنين هنود.
وأثير أيضا أن المدّعى عليه لم يصدر أي بيان محدد ينفي الادعاءات بأنه استخدم البرنامج أو راقب الملتمسين بطريقة غير قانونية. وبالتالي، يُمكن الاستدلال على أن المُدّعى عليه قد اعترف بالادعاءات. علاوة على ذلك ونظرا لعدم الإنكار، لا يمكن الوثوق بالمُدّعى عليه في تشكيل لجنته الخاصة للتحقيق في المسألة – بل يجب على المحكمة أن تنشئ لجنة مستقلة يرأسها قاض متقاعد لتجنب أي “قضايا تتعلق بالمصداقية” لا يثق فيها الجمهور ولا الملتمسون بنتائج التحقيق. [المادة 20].
حُجج المدعى عليه
قدّم المُدّعى عليه “إفادة محدودة” بحُجّة أن نوع معلومات المراقبة التي يسعى إليها الملتمسون لا يمكن الإعلان عنها لأنها قد تعرض الأمن القومي للهند للخطر ويُمكن استخدامها من قبل الجماعات الإرهابية. وبينما أعاد مرّة أخرى سرد البيان الذي أدلى به وزير تكنولوجيا المعلومات، أكّد المُدّعى عليه أنه لم يشارك في أي مراقبة غير قانونية.
عبّر المُدّعى عليه على استعداده لإنشاء لجنة خبراء للتحقيق في “جميع جوانب” هذه الادعاءات و”تهدئة مخاوف الجمهور وتبديد أي روايات خاطئة”. [الفقرة 17]. وعلى الرغم من شواغل الملتمسين، فقد اعتبر بأنه لا يوجد أي سبب لكي يشكّ الجمهور في مصداقية أي لجنة من هذا القبيل يشكّلها المُدّعى عليه.
القانون المعمول به
الحق في الخصوصية محمي دستوريا بموجب “الحق في الحياة” المنصوص عليه في المادة 21 من الدستور الهندي. هذا الحق في الحياة في الهند له “معنى موسع” – الذي” لا يشير إلى مجرد وجود حيواني ولكنه يُلخّص جودة معينة مضمونة”. [الفقرة 30] بما في ذلك “الحيز الخاص المُقدّس للفرد” [الفقرة 31]. وعلى غرار ما أقرّته المحكمة في القضية التاريخية لـ ك س بوتاسوامي ضد اتحاد الهند (2017) 10 المحكمة العُليا 1 (“بوتاسوامي”)، يُعتبر الحق في الخصوصية في الهند “مُقدّسا مثل الوجود الإنساني وثابتا مُرتبطا بكرامة واستقلاليّة الإنسان” [فقرة 32]. اعترفت المحكمة في هذه القضية بأن الحق في الخصوصية ليس مُطلقا ولاحظت الحقوق المتنافسة للقيود الأخرى المُشرّعة بالدّستور: خاصّة قانون يُبرّر أي تعدي من هذا القبيل على الخصوصية واشتراط وجود “هدف مشروع للدولة” يكفل “طبيعة ومضمون القانون الذي يفرض التقييد ويندرج في نطاق المعقولية” وتناسب التشريع مع “الهدف والاحتياجات التي يسعى القانون إلى الوفاء بها”. [الفقرة 34].
الحق في الخصوصية في عصر المعلومات
بدأت المحكمة بالتمسك فورا بالحق في الخصوصية باعتباره “مقدسا” ومحميا دستوريا وفقا لحُكمها السّابق في بوتاسوامي. [الفقرة 32] ونصّت على أنه يتعيّن عليها الاعتراف بقدرة التكنولوجيا على انتهاك خصوصية الفرد بنفس الطريقة التي يُمكنها بها تحسين حياتهم خاصة اليوم في عصر “ثورة المعلومات حيث يتمّ تخزين حياة الأفراد بأكملها في السحابة أو في ملف رقمي”. [الفقرة 31]. علاوة على ذلك، لاحظت أن المعلومات المُتعلّقة بالمواطنين الهنود يتمّ جمعها الآن ليس فقط من قبل وكالات الدولة والاستخبارات الكلاسيكية ولكن أيضا من قبل شركات الخدمات المالية ومشغلي الهواتف ورسائل البريد الإلكتروني وما شابه ذلك – والتي يمكن استخدامها لأغراض مشروعة مثل منع العنف والإرهاب ولكن يجب أن يكون أي استخدام من هذا القبيل “قائما على الأدلة” وكذلك “ضروريا تماما للأمن/المصلحة الوطنية و…. متناسبا”. [الفقرة 35-6]. واستنادا إلى المادة 21 من الدستور، رأت المحكمة أن كل مواطن هندي باعتباره “فرد في مجتمع ديمقراطي متحضر لديه توقع معقول للخصوصية وهذا التوقع هو الذي يُمكّننا من ممارسة خياراتنا وحرياتنا”. [المادة 32]. لكن كما تمّ ذكره أعلاه، فإن هذا الحق له قيود معقولة – كما هو الحال مع جميع الحقوق الأساسية الأخرى – وستحتاج المحكمة وفقا لذلك إلى تحقيق التوازن بين المصالح المتنافسة.
بتطبيقها لهذه المبادئ القانونية على هذه القضية، تُقرّ المحكمة بأنّه “في بلد ديمقراطي تحكمه سيادة القانون، لا يُمكن السّماح بالتجسس العشوائي على الأفراد إلا بضمانات قانونية كافية وباتّباع الإجراء الذي ينص عليه القانون بموجب الدستور”. [الفقرة 36]. ورأت المحكمة أنه يتمّ انتهاك الحق في الخصوصية بشكل مباشر كلما قامت الدولة أو أي وكالة خارجية بمراقبة أو التجسس على فرد ويجب أن تكون هذه المُعادلة متوازنة بشكل مناسب.
المُراقبة وحرية الصحافة
لاحظت المحكمة كذلك أن التّهديد بالمراقبة أو بالأحرى الإدراك باحتمال التعرّض للتجسس يُمكن أن يؤثر تأثيرا كبيرا على الطريقة التي “يُقرّر بها المواطن ممارسة حقوقه” وقد يُؤدّي إلى فرض رقابة ذاتية وهو أمر بالغ الأهمية عندما يتعلق الأمر بحرية الصحافة. [الفقرة 39]. وذكرت أن “مثل هذا التأثير المروع على حرية التعبير هو اعتداء على دور الصحافة الرقابي العام والحيوي وذلك من شأنه أن يُقوّض قدرة الصحافة على تقديم معلومات دقيقة وموثوقة”. [الفقرة 39]. وبالإشارة إلى قضية أنورادا بهاسين ضد اتحاد الهند (2020)3 المحكمة العُليا 637، طبقت المحكمة اختبارا للضرر المقارن حيث حكمت فيما إذا كانت قيود الدولة كان لها تأثير تقييدي على أفراد آخرين مشابهين خلال تلك الفترة وكذلك على أي مُدّعي آخر وأنه بدون هذا الدليل يستحيل “التمييز بين الادعاء المشروع بالأثر المخيف من مجرد حجة عاطفية لغرض خدمة الذات”. [الفقرة 39].
وبالمثل، شدّدت المحكمة على أهمية حماية مصادر المعلومات باعتبارها أحد أهم الشروط الأساسية لحرية الصحافة في الهند. ففي غياب هذه الحماية يمكن ردع المصادر وإثنائها عن مساعدة وسائط الإعلام على إطلاع الجمهور على المسائل ذات الأهمية الحيوية لهم. [الفقرة 40]. وبالتالي، رأت المحكمة أن هذه القضية تكتسي “أهمية قصوى” بالنظر إلى “أهمية حماية المصادر الصحفية لحرية الإعلام في مجتمع ديمقراطي والأثر السلبي المحتمل لتقنيات التنصّت”. [الفقرة 41].
عذر “الأمن القومي”
رفض المدعى عليه تقديم معلومات كافية إلى المحكمة بشأن هذه المسألة بدعوى “الأمن القومي” ولم يُوضّح موقفه من هذه الادعاءات أو أي وقائع أخرى تتعلق بالمسألة. [الفقرة 45]. استنادا إلى سابقة وضعها رام جيثمالاني ضد اتحاد الهند (2011) 8 المحكمة العُليا 1، أدانت المحكمة حجب المدعى عليه للمعلومات و”التعتيم على صاحب العريضة” لا سيما في قضية مثل هذه تتعلّق بالحقوق الأساسية المحمية دستوريا لمواطنيها [الفقرة. 46]. كما لاحظت المحكمة بشكل مؤثر أن توفير المعلومات من قبل المُدّعى عليه كان “خطوة مُهمّة نحو الشفافية والانفتاح الحكوميين وهما قيمتان مُثمّنتان بموجب الدستور”. [الفقرة 47]. على الرغم من إمكانية قيام ظروف محددة يمكن فيها للمدّعى عليه الدفاع عن موقفه بحق في حرمان المحكمة و/أو الملتمسين من النفاذ إلى معلومات معينة (مثل حماية سيادة الهند والنظام العام وازدراء المحكمة وما شابه ذلك)، لا يُمكن للمُدّعى عليه الحصول على “تصريح دائم” كلّ ما ذكر فيها الأمن القومي وإلزام المحكمة بأن تكون “متفرجا صامتا” ولا يمكن أن يكون الأمن القومي “هو العائق الذي يدفع القضاء بالانسحاب بمجرد ذكره” [الفقرات. 49-50]. كما نصّت المحكمة على ضرورة أن يكون المُدّعى عليه قادرا على المرافعة وإثبات وتبرير قلق دستوري معين أو حصانة قانونية أخرى في إفادة خطية إلى جانب أي حقائق متصلة أخرى تُشير إلى المعلومات التي يدعو إلى المُحافظة على سرّيتها لصالح الأمن القومي.
فشل هُنا المُدّعى عليه في إظهار كيف يمكن أن يؤثر الكشف عن المعلومات على الأمن القومي وأن مجرد ذكر الأمن القومي لم يمنع المحكمة من ممارسة سلطتها. وبالتالي، رأت المحكمة أنه يجب عليها قبول الدعوى الأوّلية التي رفعها الملتمسون للتحقيق في الادعاءات.
وأقرّت المحكمة بوجود “إجماع واسع على أن المراقبة/ النّفاذ غير المصرح به للبيانات المخزنة من الهواتف والأجهزة الأخرى للمواطنين لأسباب أخرى غير أمن الدولة سيكون غير قانوني ومرفوضا ومسألة مثيرة للقلق” [الفقرة 52]. وعلى هذا الأساس، فإن المسألة المتبقية هي ما هي سبل الانتصاف التي ينبغي أن تصدرها.
لجنة الخبراء المستقلة
بالنظر إلى أن المُدّعى عليه لم يتمكّن مرارا من تقديم بيّنة موثقة ومشفوعة بوقائع تتعلق بالقضية أو بدفاعه عن الأمن القومي، فإن المحكمة ترددت في توجيه المدعى عليه إلى تقديم إفادة تحتوي على وصف لوقائع مُرتبطة. وعلى عكس ذلك، أصدرت المحكمة أمرا بتشكيل لجنة خبراء مستقلة تحت إشراف قاضي المحكمة العليا المتقاعد آر ضد رافيندران للتحقيق في طبيعة الادعاءات أي “الأهمية العامة للانتهاك الواسع النطاق للحقوق الأساسية لمواطني البلد ونطاقه وطبيعته المزعومة”. [الفقرة 55]. وتألفت اللجنة كذلك من مجموعة غير متحيزة وغير قضائية ومستقلة بما في ذلك السيد ألوك جوشي، موظف سابق في دائرة الاستخبارات والدكتور سانديب أوبروي رئيس المنظمة الدولية لتوحيد المقاييس/اللجنة الانتخابية المستقلة والدكتور نافين كومار تشودري، أستاذ الأمن السيبراني والتحليل الرقمي القانوني والدكتور براباهاران ب. أستاذ في كلية الهندسة والدكتور أشوين أنيل غوماستي أستاذ مُحاضر.
وعللت المحكمة أن هذا كان ضروريا لأسباب منها التأثير المحتمل على الحق في الخصوصية وحرية التعبير و”التأثير المروع” المحتمل لهذه القضية على حقوق جميع سكان الهند وعدم اتخاذ المُدّعى عليه أي إجراء وحرمان الحكومة المعلوم والمزعوم لحقوق مواطنيها وخطورة أي تورط محتمل لأطراف/ بلدان أجنبية أو وكالات أو كيانات خاصة أخرى. [الفقرة 56]. وامتنعت عن السماح للمدعى عليه بتعيين لجنة خبراء لأغراض التحقيق في الادعاءات لأن هذا الإجراء من شأنه أن ينتهك المبدأ القضائي الثابت ضد التحيز أي أنه “لا يجب إقامة العدل فحسب بل يجب أن يُدرك الناس بأن العدل مُطبقا على أرض الواقع بالفعل”. [الفقرة 57].
طلبت المحكمة من لجنة الخبراء تحديد مجموعة من العوامل من ضمنها ما إذا كان بيغاسوس يُستخدمُ للتجسس من أجل النفاذ أو التنصّت على المعلومات التي يحتفظ بها مواطنو الهند في أجهزتهم ومن هم المواطنون المعنيين وما إذا تمّ الحصول على برمجيّة التجسّس من طرف المُدّعى عليه وما هو القانون الذي تمّ اعتماده إذا ما تم استخدام البرمجيّة. كما تمّت دعوة لجنة الخبراء إلى تقديم توصيات بشأن العديد من القضايا بما في ذلك الحاجة إلى قوانين تُحيط بالمراقبة أو تعدّلها وكيفيّة تعزيز الأمن السيبراني ومنع انتهاك حق المواطنين في الخصوصية من خلال برامج التجسس وإنشاء آلية للتظلم وأيضا وكالة رائدة مستقلة للتحقيق في نقاط الضعف السيبرانية. [الفقرة 61].
الخاتمة
رأت المحكمة أن الادعاءات المتعلقة بالمراقبة غير المأذون بها أو الوصول بطريقة أخرى إلى البيانات المخزنة لأجهزة المواطنين لأي سبب يتجاوز الأمن القومي تكون “غير قانونية ومُستنكرة ومثيرة للقلق”. [الفقرة 52]. وبالنظر إلى التداعيات المحتملة لحرية الصحافة والحق في الخصوصية إلى جانب حجب المدعى عليه للمعلومات بتعلّة أغراض “الأمن القومي”، أمرت المحكمة بإنشاء لجنة خبراء مستقلة. وتم توجيه المدعى عليه والوكالات/السلطات المرتبطة به إلى تقديم الدعم الكامل لهذه اللجنة حسب الاقتضاء. كما طلبت المحكمة من اللجنة إجراء تحقيق وإعداد تقريرها في أقرب وقت ممكن.
يشير اتجاه الحكم إلى ما إذا كان الأخير يُوسع من مدي التعبير أم يُضيقه بناءً على تحليل للقضية.
عزّزت المحكمة العليا في الهند الحق في حرية التعبير بموجب الدستور من خلال ربط أهميته الكبيرة بالحق في الخصوصية لجميع مواطنيها، بمن فيهم الصحفيون. من خلال حُكمها بأن المراقبة غير المصرح بها والتهديد بالتجسس لا يمكن أن يؤدي فقط إلى الرقابة الذاتية ولكن أيضا يعرض للخطر سلامة المصادر الصحفية والأداء السليم لوسائل الإعلام في الديمقراطية، عملت المحكمة على صيانة الحق في حرية التعبير بشكل حاسم وربطته بالكرامة ومدنيّة الحياة التي يتمتع بها مواطنوها.
يوضح المنظور العالمي كيف تأثر قرار المحكمة بمعايير سواء من منطقة واحدة أو عدة مناطق.
تُشير أهمية هذه القضية إلى مدى تأثيرها وكيفية تغير مدى أهميتها بمرور الوقت.