بهاسين ضد اتحاد الهند

قضية مُنتهية الحكم ذو نتيجة مُتباينة

Key Details

  • نمط التعبير
    التواصل الإلكتروني / القائم على الإنترنت
  • تاريخ الحكم
    يناير ١٠, ٢٠٢٠
  • النتيجة
    حكم إعلانى / توضيحي
  • رقم القضية
    التماس كتابي (مدني) رقم ٢٠١٩/١٠٣١
  • المنطقة والدولة
    الهند, آسيا والمحيط الهادئ
  • الهيئة القضائية
    المحكمة العليا (محكمة أعلي درجة)
  • نوع القانون
    القانون الجنائي
  • المحاور
    الوصول إلى معلومات عامة, الأمن القومي, النظام العام
  • الكلمات الدلالية
    النظام العام, قطع الانترنت

سياسة إسناد المحتوى

تُعد مبادرة جامعة كولومبيا لحرية التعبير العالمية إحدى المبادرات الأكاديمية، وبالتالي، فهي تشجع على مشاركة وإعادة نشر مقتطفات من المحتوى الخاص بها طالما لا يتم استخدامه لأغراض تجارية وذلك بالإضافة إلى احترام سياستها التالية:
  • نسب المحتوى للمبادرة باعتبارها مصدره.
  • ربط ما يتم مشاركته أو نشره من تحليل قضايا، منشورات، تحديثات، مدونات، إلى عنوان URL الأصلي التحديث أو المدونة أو الصفحة الخاصة بالمحتوى القابل للتحميل الذي تشير إليه.
يمكن الاطلاع على معلومات أكثر عن الإسناد وحقوق النشر والترخيص فيما يخص الوسائط التي تستخدمها المبادرة والمتوفرة على صفحة الاعتمادات الخاصة بالمبادرة.

هذه القضية متاحة بلغات إضافية:    استعرضها بلغة أخرى: English    استعرضها بلغة أخرى: Français

تحليل القضية

ملخص القضية وما انتهت اليه

قضت المحكمة العُليا بالهند بأن التعليق المُطلق لخدمات الانترنت ليس قانونيا بموجب أحكام القانون الهندي وبأن أوامر غلق الانترنت يجب أن تستجيب لاختبارات الضرورة والنسبيّة. تتعلّق القضيّة بالقيود على الانترنت وعلى الحركة التي تمّ فرضُها في منطقة جامو والكشمير بالهند يوم ٤ أغسطس ٢٠١٩ بعنوان حماية النظام العام. لكن في النهاية لم ترفع المحكمة القيود على الانترنت وعوضا عن ذلك، طلبت من الحكومة مُراجعة أوامر الغلق بالنظر إلى الاختبارات المُشار إليها في حُكمها ورفع القيود غير الضروريّة أو المُطلقة في الزمن. أكّدت المحكمة على أن حُرية التعبير على الانترنت مكفولة بحماية دستوريّة على أنّه يُمكن التضييق عليها باسم الأمن القومي. اعتبرت المحكمة بأنه على الرغم من كون الحكومة لها صلاحية الإذن بالغلق الكُلي للإنترنت، يجب على أي أمر (أو أوامر) أن يُنشر/تُنشر على الملأ وأن يكون/تكون محل مُراجعة قضائيّة.


الوقائع

يقع إقليم جامو والكشمير في الأراضي الهنديّة على الحدود مع باكستان. كانت هذه المنطقة محلّ نزاع طويل بين البلدين استمرّ لعدّة عقود. تنصّ المادة ٣٧٠ من الدّستور الهندي على أن الإقليم يتمتّع بوضعية قانونيّة خاصة تُتيح له وضع دستوره الخاص وبأنّه لا يُمكن للمواطنين الهنود من ولايات أخرى اقتناء أراضي أو ممتلكات في هذا الإقليم. في ٥ أغسطس ٢٠١٩، أصدرت الحكومة الهندية أمرا دستوريّا (يُطبّق على جامو والكشمير) يُلغي الوضعيّة الخاصّة الذي تمتعت بها جامو والكشمير منذ سنة ١٩٥٤ ويُحوّلها إلى ولاية تخضع تماما لأحكام الدّستور الهندي.

خلال الأيام التي سبقت إصدار هذا الأمر الدستوري، شرعت الحكومة الهنديّة في فرض قيود على الاتصالات على الإنترنت وعلى حُرّية الحركة. في ٢ أغسطس، دعت الأمانة المدنية لوزارة الداخلية في حكومة جامو وكشمير السياح وحجيج أمرناث ياترا إلى مُغادرة منطقة جامو وكشمير بالهند. إثر ذلك، تمّت دعوة المدارس والمكاتب إلى غلق أبوابها حتى إشعار لاحق. وفي ٤ أغسطس ٢٠١٩، تمّ غلق جميع شبكات الهاتف النقال وخدمات الانترنت والخطوط الهاتفيّة الأرضيّة في المنطقة. كما فرض قضاة الإقليم مزيدا من القيود على حرّية التنقّل وعلى الاجتماعات العامة مُستندين في ذلك إلى القسم ١٤٤ من القانون الجنائي.

تسبّب تعطيل الانترنت والقيود المُسلّطة على حُرية الحركة (المُشار إليها لاحقا بالقيود) بشكل كبير في الحدّ من قدرة الصحفيين على التنقّل وعلى النشر، وبالتالي تمّ الاعتراض عليها أمام المحاكم بسبب خرقها لأحكام المادة ١٩ من الدستور الهندي الذي يضمن الحق في حُرّية التعبير. تولّت المحكمة العليا بالهند في هذا الإطار فحص ومُراجعة الشكاوى التالية التي اعترضت على شرعيّة تعطيل الانترنت والتقييد على حُرّية الحركة.

• دعوى رقم ١٠٣١ لسنة ٢٠١٩:

رفعت العريضة السيدة أنوراضا بهاسين، رئيسة تحرير النُسخة الخاصة بسريناغار لصحيفة الكاشمير تايمز. ذكرت في دعواها بأن الانترنت ضروريّ في مجال الصحافة الحديثة وأنه بغلقها تكون السلطات قد حتّمت على الصحافة المكتوبة بأن “تتوقف بشكل تام”. لم تتمكّن بسبب ذلك من نشر صحيفتها منذ يوم ٦ أغسطس ٢٠١٩. كما ذكرت بأن الحكومة لم تُراع ما إذا كان تعطيل الإنترنت أمرا معقولا ويتناسب مع الأهداف التي يرمي إلى تحقيقها. وأكّدت بأنه تمّ إقرار القيود استنادا إلى الاعتقاد بوجود “خطر على القانون وعلى النظام. لكن النظام العام يختلف عن القانون والنظام ولم يكن أي منهما معرّضا للخطر عندما تمّ إصدار الأمر”.

ذكر مُتدخل في الموضوع أن منح الدّولة الصّلاحية التامة للتضييق على الحقوق الاساسيّة باسم الأمن القومي ومنع الإرهاب فإن ذلك سيُمكّنها من فرض قيود واسعة على الحقوق الأساسيّة في حالات متعدّدة. بالإضافة إلى ذلك فقد حجبت هذه القيود النقاش حول تمرير التعديل الدستوري القاضي بإلغاء الوضع الخاص لولاية جامو والكشمير بين السكان الذين يُقيمون في المنطقة. وأخيرا، كان من المفروض أن تكون القيود ظرفيّة بطبعها لكنها تجاوزت المائة يوم.

اعتبر مُتدخّل آخر بأن الدّولة فشِلت في إثبات الضرورة إلى فرض القيود: “للناس الحق في التعبير عن آرائهم سواء كانت جيّدة أو سيئة أو بشعة ويجب على الدّولة أن تُثبت ضرورة تقييدها”. بالإضافة إلى ذلك أكّدت صاحبة الدّعوى بأن التقييد لم يكن متناسبا. كان على الدّولة أن تُراعي انعكاسات القيود المُسلّطة على الحقوق الأساسيّة وهذا لم يحدث هنا. “لا يجب فقط دراسة القيود القانونيّة والمادية لكن أيضا التخوّفات التي يُمكن أن تُثيرُها هذه القيود في عقول المواطنين مع اعتبار تناسب الإجراءات المُتخذة”.

• دعوى رقم ١١٦٤ لسنة ٢٠١٩:

صاحب العريضة السّيد غلام نابي آزاد (عضو برلمان ينتمي إلى أكبر حزب معارضة في مجلس المُستشارين الهندي) ذكر بأنه يجب أن تعتمد القيود على أسباب موضوعيّة ولا فقط على تخمينات. بالإضافة إلى ذلك لا يجب أن تظل الأوامر الرسمية سرّية لدى الدّولة. فحالة الطوارئ التي تذرّعت بها السلطات لتبرير القيود لا يُمكن الإعلان عنها إلّا في حال حدوث “اضطرابات داخليّة” أو “اعتداء خارجي” كما نصّت عليه المادة ٣٥٦ من الدستور، ولم يحدث أيّ منهما. علاوة على ذلك، أكّد صاحب الدّعوى بأنه يتعيّن على القيود أن تكون مُحدودة النطاق لتستهدف فقط من يُهدّد السّلم ولا يُمكن تطبيقُها بصفة واسعة على عامة الناس. عند فرضها قيود، يتعيّن على الدّولة أن تختار أقلّ الإجراءات تضييقا مع الحرص على التوازن بين سلامة الناس وحقهم المشروع في ممارسة حقوقهم الأساسيّة، وذلك لم يحدث في هذه الحالة. وبخصوص غلق الإنترنت، نبّه صاحب الدّعوى بأن القيود المُسلّطة على الإنترنت لم تؤثر فقط على حُرية التعبير بل وأيضا على الحق في التجارة وعلى قُدرة المنتخبين السياسيين على التواصل مع ناخبيهم.

• دعوى رقم ٢٢٥ لسنة ٢٠١٩:

تمّ سحب الدّعوى في وقت من الأوقات لكن المحكمة اعتبرت بأن القيود أدّت إلى أضرار على نطاق واسع لتشمل المواطنين العاديين المُمتثلين للقانون. دافع نائب الحق العام والوكيل العام بالهند عن هذه القيود حيث اعتبر نائب الحق العام بأن القيود تُمثل إجراء للتصدي للأعمال الإرهابيّة ويُمكن تبريرها باعتبار ماضي العمليات الإرهابية عبر الحدود والأنشطة المُسلّحة الدّاخلية التي ابتُليت بها ولاية جامو وكشمير لفترة طويلة من الزمن. ذكّر نائب الحق العام بأنه تمّ في الماضي اتخاذ مثل هذه الإجراءات سنة ٢٠١٦ مثلا إثر عملية إرهابية تم اقترافُها هناك.

كما أكّد الوكيل العام على حُجّة الضرورة التاريخيّة وذكر بأنّ الدّور الأوّل والأساسي للدّولة هو ضمان الأمن وحماية حياة المواطنين. وأضاف بأن الوقائع التي استعرضها أصحاب الدّعوى خاطئة إذ بالغت في الانعكاسات المُنجرّة عن القيود. وذكر بالخصوص بأنه لم يتم أبدا التضييق على حركة الأشخاص بل تمّ فرضُها في بعض المناطق فقط ثمّ رفعُها بعد فترة وجيزة، وبأن كل وسائل الإعلام من صُحف وقنوات تلفزيونية وإذاعيّة تعمل بشكل عادي.

وأضاف الوكيل العام بأنه حتى قبل إصدار الأمر الدّستوري القاضي بإلغاء المادة ٣٧٠، فإن المسألة كانت محلّ جدل ومُضاربة في جامو وكشمير بما في ذلك عبر خطابات ورسائل استفزازيّة. وبالتّالي قرّر مسؤولون حكوميّون على الميدان فرض قيود لا يُمكن للمحاكم مُعارضتها لكونها تتعلّق بالأمن القومي.

أما فيما يتعلّق بالخصوص بتعطيل الاتصالات والإنترنت، اعتبر الوكيل العام بأنه لم يتم أبدا التضييق على الإنترنت في منطقتي جامو ولاذاخ. وأضاف بأن وسائل التواصل الاجتماعي التي تسمح للأشخاص بتوجيه الرسائل وبالتواصل مع عدد من الأشخاص في نفس الوقت يُمكن أيضا استخدامها كوسيلة للتحريض على العُنف. فحسب رأيه، يتيح الإنترنت المجال لتمرير الأنباء الخاطئة والصور المُشوّهة التي يُمكن استعمالُها لنشر البلبلة والعُنف. وأضاف بأن “الإنترنت المظلم” يُمكّن الأشخاص من اقتناء الأسلحة والمواد المحضورة بشكل يسير.

رفض الوكيل العام الفكرة بكون معايير حُرية التعبير الخاصة بالصحف تنطبق أيضا على الإنترنت بحُجّة أن الاختلافات بينها كبيرة. إذ بيّن بأن الصحف تُتيح الاتصال الأُحادي الاتجاه فقط بينما الإنترنت يُمكن من التواصل في الاتجاهين ممّا يُيسّر كثيرا نشر الرسائل. وانتهى بقوله بأنه لا يُمكن الاقتصار على منع بعض مواقع الويب أو أجزاء فقط من الانترنت والسماح بالنفاذ إلى مواقع أخرى كما تبيّن ذلك للحكومة سنة ٢٠١٧.


نظرة على القرار

بدأت المحكمة العُليا بقولها إنه على ضوء الوقائع التي تمّ بسطُها في هذه القضيّة، فإن هدف المحكمة هو “ضمان التوازن بين الحُرية من ناحية والأمن من ناحية أخرى حتى نضمن الحق في الحياة والانتفاع بهذا الحق بقدر الإمكان” وترك الحُكم على “صواب ووجاهة” الأوامر موضوع النقاش “للقوى الديمقراطية لدراستها”. الفقرة [١]. قامت المحكمة بعد ذلك بتحديد خمسة مسائل طُرحت من خلال الدعائم التي قدّمها القائمون بالدّعوى والحكومة.

١) هل يُمكن للحكومة التذرّع بالاستثناء لإصدار أوامر التقييد؟
٢) هل يجب اعتبار حُرية الرّأي والتعبير وحُرية ممارسة أي مهنة أو القيام بأي نشاط، تجارة أو أعمال بكونها جزءا من الحقوق الأساسيّة التي تحميها المادة ١٩(١)(أ) والمادة ١٩(١)(ز) من الدّستور؟
٣) هل يُعتبر قرار الحكومة المُتعلّق بحظر النفاذ إلى الإنترنيت قانونيّا؟
٤) هل يُعتبر فرض قيود على حُرّية التنقل بمُقتضى القسم ١٤٤ من مجلّة الإجراءات الجنائيّة قانونيّا؟
٥) هل تمّ انتهاك حرية الصحافة لصاحب الدّعوى رقم ١٠٣١ لسنة ٢٠١٩ بسبب القيود؟

درست المحكمة المسائل الخمس السابقة في أربعة أقسام:

١) هل يُمكن للحكومة التذرّع بالاستثناء لإصدار مُختلف أوامر التقييد؟
اعتبرت المحكمة بأنه تعيّن على الدّولة إصدار الأوامر القاضية بفرض القيود. بدأت بالتذكير بالصعوبات التي اعترضتها في تحديد مشروعيّة القيود بعد رفض السّلطات إصدار الأوامر التي تفرض تلك القيود. واستنادا إلى سابقة في قضيّة رام جتمالاني ضدّ اتحاد الهند (٢٠١١) ٨ SCC ١، ذكّرت المحكمة بأن الدّولة مُلزمة بالإفصاح عن معلومات للاستجابة للحق في التعويض كما تنصّ عليه المادة ٣٢ من الدّستور الهندي. بالإضافة إلى ذلك، تمّ تأويل المادة ١٩ من دستور الهند لاعتبار الحق في المعلومة بصفته جزء هام من الحق في حرّية الرّأي والتعبير. أضافت المحكمة بأن “الدّيمقراطية التي تلتزم بالشفافيّة والمُحاسبة تستوجب بالضرورة إصدار الأوامر بما أنه يحق للأفراد بأن يكونوا على معرفة” [الفقرة ١٥]. تُلزمُ هذه الحقوق الأساسيّة الدّولة على العمل بصفة مسؤولة لحمايتها ولا تُجيز لها سحب هذه الحقوق بصفة اعتباطيّة. أكّدت المحكمة على أنه لا يُمكن تمرير أي قانون بشكل سرّي لأن ذلك من شانه أن يُمثل تهديدا للديمقراطيّة. وللتأكيد على رأيها استشهدت المحكمة بجايمس ماديسون الذي قال “إن حكومة شعبية من غير معلومات شعبيّة أو من غير الوسائل للحصول عليها لا تمثل سوى تمهيدا للسخرية والمأساة، أو ربّما كلتيهما. ستتحكّم المعرفة في الجهل دائما لذلك يتعيّن على الأشخاص الذين يرغبون في التحكم في مصيرهم التزوّد بالقوّة التي تمنحها إياهم المعرفة” [الفقرة ١٦]. بذلك كان على الدولة اتخاذ إجراءات استباقيّة لإعلام الناس بكل القوانين المُقيّدة للحقوق الأساسيّة إلا إذا ما وُجد في المُقابل دافع ضروريّ لحماية المصلحة العامة يستوجب السرّية. لكن حتى في هذه الحالة فإن المحكمة هي الهيئة التي يُمكنها الحرص على التوازن بين المصلحة المحميّة للدّولة والحق في المعلومة وبالتالي الإقرار بأجزاء الأمر التي يُمكن حجبها والأجزاء التي يتعيّن إفشاؤها. في هذه القضيّة، ادّعت الدولة في مرحلة أولى بأحقّيتها في حماية المعلومات ثمّ تنازلت عن هذا الطلب وكشفت عن بعض الأوامر مُعللة ذلك بأنه لا يُمكن إفشاء كلّ الأوامر بسبب صعوبات لم يتمّ تحديدُها. لم تعتبر المحكمة هذا التبرير سببا مشروعا.

٢) هل أثرت القيود على حُرية الحركة وعلى حُرّية الرّأي والتعبير وعلى الحق في التجارة والعمل؟
بدأت المحكمة بالتأكيد على أن حُرية التعبير مضمونة بمُقتضى المادة ١٩ من دستور الهند الذي ينطبق أيضا على الإنترنت. ذكّرت المحكمة باجتهاداتها الفقهية السابقة والمتعدّدة التي وسّعت الحماية لتشمل وسائط اتصال جديدة للتعبير. في قضيّة أندين أكسربريس ضد اتحاد الهند (١٩٨٥) ١ SCC ٦٤١، قضت المحكمة العُليا الهنديّة بأن حُرّية التعبير تحمي حُرية الصحافة المكتوبة. وفي قضيّة أوديسي للاتصالات PVT Ltd. ضدّ لوكفيديان سانغاتنا (١٩٨٨) ٣ SCC ١٤٠ اعتبرت المحكمة بأن حق المُواطنين في مُشاهدة الأفلام يُمثل جزءا لا يتجزّأ من الحق الأساسي في حُرّية التعبير. أصبح التعبير على الانترنت أحد أهم الوسائل لنشر المعلومات وبالتالي تمّ اعتبارُه قناة أساسيّة لمُمارسة حُرّية الرّأي والتعبير التي تضمنها المادة ١٩(١)(أ) ولكن الذي يُمكن أيضا التضييق عليه بمُقتضى المادة ١٩(٢) من الدستور.

بالتالي فإن الإنترنت تلعب دورا أساسيّا في التجارة والتبادل، إذ تعتمد بعض المُؤسسات كلّيا على الإنترنيت. لذلك تمّ إضفاء الحماية الدّستورية على التجارة والمُبادلات على الإنترنت بمُقتضى المادة ١٩(١)(ز) حتى وإن ظلُت رهن القيود التي تنصّ عليها المادة ١٩(٦). لكن لم تذهب المحكمة إلى حدّ الإقرار بكون حق النفاذ إلى الإنترنت يُمثل حقا أساسيّا لأن لا أحد من طرفي القضيّة دعا إلى ذلك. ثمّ ناقشت المحكمة ما إذا كان بالإمكان تقييد حُرّية التعبير وإلى أيّ مدى. يسمح دستور الهند للحكومة بالتضييق على حُرّية التعبير بمُقتضى المادة ١٩(٢) طالما نصّ القانون على تلك القيود، وطالما كانت معقولة ومفروضة لأسباب مشروعة. يستعرض الدّستور قائمة في القيود المعقولة التي تشمل “مصالح السيادة والنزاهة والأمن والعلاقات الصّديقة مع الدّول الأجنبية والنظام العام والآداب والأخلاق وانتهاك حُرمة المحكمة والافتراء أو التحريض على الجريمة” [الفقرة ٣١].

بعد مُراجعة اجتهادها الفقهي بخصوص تطبيق المادة ١٩(٢)، اعتبرت المحكمة بأن القيود على حُرّية الرأي والتعبير يُمكن أن تفرض حظرا تامّا. في هذه الحالة لا يجب على الحظر التام أن يُعيق بشكل كبير حُرية التعبير كما يجب على الحكومة أن تشرح الأسباب التي دفعتها بأن لا تعتمد خيارات أخرى تكون أقلّ صرامة. أخيرا يستوجب على المحكمة البحث فيما إذا ارتفع التقييد إلى درجة الحظر الشامل وذلك حالة بحالة.

ثمّ تولّت المحكمة دراسة السياق الجيوسياسي للقيود واتفقت مع الحكومة على أن منطقة جامو وكشمير تُعاني منذ زمن طويل من الإرهاب. ذكرت المحكمة بأن الإرهابيين اليوم يعتمدون كثيرا على الإنترنت وذلك يُمكّنهم من نشر الأنباء الزائفة وترويج الدّعاية وجمع الأموال واستقطاب الآخرين للالتحاق بقضيّتهم. وبالتالي اعتبرت السلطات الهنديّة بأن “الحرب على الإرهاب” تستوجب تسليط قيود “لاستئصال آفة الإرهاب من مهدها” [الفقرة ٣٧]. وذكرت المحكمة بأنّ “الحرب على الإرهاب” لا تُشبه النزاعات الإقليميّة إذ أنها تتخذ اشكالا أخرى تؤثر على الحياة الطّبيعيّة للأشخاص وبالتالي لا يُمكن التعامل معها بصفتها قانون أو مسألة نظام عام.

ثمّ راجعت المحكمة التعديل الأوّل من الدّستور الأميركي وفقه القضاء منذ سنة ١٨٦٣ إلى اليوم للخلاصة بأن الخطاب الذي يُحرّض على العنف الدّاهم لا يتمتع بأي حماية. أكّدت المحكمة بأن القادة الأميركيين والسلطة القضائية بالولايات المتحدة كثيرا ما كبحوا حُرّية التعبير باسم الأمن القومي. تعود القضيّة الأولى في هذا الصّدد إلى سنة ١٨٦٣ فيما يُعرفُ بفلانديغام عندما تمّ اتهام السيد فلانديغام وسجنه خلال الحرب الأهليّة الأميركيّة بعد أن وصف الحرب “بالآثمة والظالمة وغير الضروريّة”. وفي قضيّة أبرامس ضد الولايات المُتّحدة عام ١٩١٩، كتب القاضي هولمز بأن سُلطة حكومة الولايات المُتّحدة في القدرة على زجر الخطاب الذي يُؤدّي أو يُمكن أن يُؤدّي إلى خطر بديهي وداهم، وبأن هذه السلطة “هي بدون شك أكبر في وقت الحرب مما عليه في وقت السلم لأن الحرب تفتح المجال للمخاطر والتهديدات أكثر من أي وقت آخر” [الفقرة ٤٠]. وفي قضيّة دنيس ضدّ الولايات المُتحدة (١٩٥١)، اعتبرت المحكمة العليا للولايات المُتّحدة بأن “القيمة المُجتمعيّة للتعبير يجب في بعض الحالات أن تخضع لقيم واعتبارات أخرى” [الفقرة ٤١]. وفي قضيّة برندنبورغ ضدّ أوهايو (١٩٦٩) اعتبرت المحكمة العُليا الأميركيّة بأنه يُمكن للحكومة زجر مُناصرة السّلوك غير المشروع إذا كان يهدف إلى التحريض ويُمكن أن يُؤدّي إلى “عمل داهم مُخالف للقانون”.

وأخيرا، ذكّرت المحكمة الهنديّة بأنه في السياق الذي تلى ١١ سبتمبر، انتقد النائب العام أشكروفت ممن كان ينتقد تراجع الحقوق الأساسيّة نتيجة الحرب على الإرهاب قائلا بالخصوص “لأولئك … الذين يُرعبون أحبّاء السّلم بأشباح الحُرّيات المفقودة أقول لهم هذا: إن تكتيكم يُساعد الإرهابيّين فقط فهم الذين يحدّون من وحدتنا الوطنيّة ويُضعفون عزمنا وثباتنا ويوفّرون الذخيرة لأعداء أميركا… [الفقرة ٤٤]. وذكّرت المحكمة بالقضية المُستجدّة بين المعهد الحديث ومركز البحث لطب الأسنان ضدّ ولاية ماضية براديش (٢٠١٦)، التي قضت فيها بأنه لا يُمكن اعتبار أي حق دستوري بكونه حقا باتا ونهائيّا وذلك نظرا للترابط والتداخل بين مُختلف الحقوق، ويُمكن بالتالي أن يكون عُرضة للتقييد. كما وجدت المحكمة أيضا في حُكمها بأنه في صورة وجود تعارض بين الحقوق الأساسيّة، يجب مُقارنتها لكي “تتعايش بشكل متجانس فيما بينها” [الفقرة ٥٥]. كما هو الحال بالنسبة للتعديل الأوّل، يسمح الدّستور الهندي للحكومة بفرض قيود على حُرية التعبير لكنه يشترط بأن تكون القيود متناسبة.

أكّدت المحكمة على أن معيار التناسب ضروري لضمان عدم تقييد أي حق أكثر من اللزوم. لكن المحكمة عبّرت عن ضرورة ضمان التعديل بين الأمن القومي والحُرّية، ورفضت مبدأ منع الحكومة من تحقيق مصلحة عامة على حساب الحقوق الأساسيّة. باعتبار كل هذا حدّدت المحكمة تناسب المسألة التالية: “بتنظيمها ممارسة الحقوق الأساسيّة هل تمّ اتخاذ الإجراءات المُلائمة أو الأقلّ تضييقا من طرف الهيئة التشريعيّة أو الحاكمة لتحقيق الهدف من التشريع أو من الأمر الإداري، حسب الحالة” [الفقرة ٥٣]. إثر ذلك قامت المحكمة بإجراء عمليّة مُقارنة شاملة لاختبارات النسبيّة المُستخدمة من قِبل المحاكم الهندية والألمانية والكندية. واستنتجت بأنه على الرغم من وجود اتفاق بأن النسبيّة تُمثل عنصرا أساسيّا لتحقيق التوازن القضائيّ عند مُعالجة مسائل تتعلق بالقيود على الحقوق الأساسيّة، تبقى الأطراف غير متفقة بأن التناسب والتوازن متساويان. شرحت المحكمة بعد ذلك فهمها لاختبار التناسب.
١) يجب أن يكون الهدف من التضييق مشروعا،
٢) يجب أن يكون التقييد ضروريّا،
٣) يجب على السلطات اعتبار ما إذا وُجدت إجراءات بديلة عن القيود،
٤) يجب اتخاذ الإجراءات الأقلّ تقييدا،
٥) يجب أن يكون التقييد مفتوحا للمُراجعة القضائيّة.

أضافت المحكمة أن “درجة التقييد ونطاقه على المستويين المكاني والزماني، يجب أن يتناسبا مع ما يتعيّن التصدّي له في وضعيّة طارئة … فمفهوم التناسب يستوجب أن يتمّ ضبط التقييد حسب النطاق الجغرافي للتقييد ومرحلة الطّوارئ وطبيعة الاستعجال والفترة الزمنية لإجراء التقييد وطبيعة التقييد”. [الفقرة ٧١].

٣) مشروعيّة تعطيل الإنترنت:
بعد التعريف بمبادئ التناسب والقيود المعقولة، عملت المحكمة على تقييم التضييق المُسلّط على حُرية التعبير على الإنترنيت. رفضت المحكمة كُليا تبرير الدّولة للحظر الكامل على الإنترنت بحُجّة غياب التكنولوجيا لديها لفرض حظر انتقائي، لأنه بقبول هذا المنطق كانت ستُعطي الضوء الأخضر للحكومة لحظر النفاذ على الإنترنت في كلّ الأوقات والمُناسبات. لكن المحكمة اعترفت “بوجاهة تذرّع الحكومة بإمكانية استخدام الإنترنيت لتفشي الإرهاب وبالتالي لتهديد سيادة الهند ووحدتها” وكان عليها بالتالي تحديد إلى أي مدى يُمكن للقيود أن تُضيّق على حُرّية التعبير. [الفقرة ٧٦].
أكّدت المحكمة بأنه كان عليها تحديد كُلّ من العناصر الإجرائيّة والموضوعيّة لتحديد المشروعيّة الدستوريّة لتعطيل الإنترنت. تشمل الآليّة الإجرائيّة مُكوّنين، أوّلهما المُكوّن التعاقُدي بين مُزوّدي خدمات الإنترنت والحكومة ثم المُكوّن القانوني الذي نصّ عليه كُلّ من قانون تكنولوجيا المعلومات، ٢٠٠٠، ومجلة الإجراءات الجزائيّة، ١٩٧٣ وقانون اللاسلكي.

ركّزت المحكمة في تحليلها بشكل كبير على المُكوّن الثاني بما أنه يتعلّق بشكل مُباشر بقضيّة الحال. تمّ تمرير قواعد التعليق التي نصّت عليها المادة ٧ من قانون اللاسلكي سنة ٢٠١٧ ومكّنت الحكومة من التضييق على خدمات الاتصالات بما فيها النفاذ إلى الإنترنت، بإخضاعها إلى بعض الإجراءات الوقائيّة. تشمل الإجراءات الوقائيّة أوّلا ضرورة أن يتمّ إصدار أوامر التعليق فقط من طرف السكرتير العام للحكومة الهندية بوزارة الشؤون الدّاخليّة أو من طرف سكرتير حكومة الولاية المسؤول عن الشؤون الدّاخلية. وفي حالات قاهرة حتميّة، يُمكن لمسؤول آخر لا تقل رتبته عن سكرتير مُشترك لدى حكومة الهند أن يُصدر الأوامر بشرط أن تُصادق الهيئة المعنية عليها في حدود ٢٤ ساعة بعد إصدارها. في غياب المُصادقة يتعيّن إلغاء التعليق خلال الأربعة وعشرين ساعة الموالية. يجب أن تشمل الأوامر أسباب التعليق ويجب إرسال نُسخة منها إلى لجنة مُراجعة تشمل مسؤولين سامين بالدّولة. لا يجب على الأسباب أن تشرح فقط ضرورة التعليق بل وأيضا الظروف “الحتمية” التي أدّت إلى ضرورة إصدار الأوامر.

بالإضافة إلى ذلك، يسمح القسم ٥(٢) من قانون اللاسلكي بإصدار أوامر تعليق فقط في حالات الطوارئ العامة أو لمصلحة الأمن العام. اعتبرت إذن المحكمة بأنه لإصدار أمر بالتعليق يتعيّن على الحكومة أوّلا الإقرار بوجود حالة طوارئ عامة ولا غير ذلك. “على الرّغم من كون قانون اللاسلكي لم يُحدّد مفهوم مصطلح ‘حالة طوارئ عامة’، فقد تمّ شرح ذلك بأن معنى هذا المُصطلح يُمكن أن يُفهم من خلال استخدامه بالتوازي مع عبارة ‘مصلحة الأمن العام’ التي تتبعُه” [الفقرة ٩٢].

ذكرت المحكمة العُليا بأن تعريف الطّوارئ يختلف. فمثلا تنصّ “المادة ٤ من العهد الدولي للحقوق المدنيّة والسياسيّة بأنّه ‘في حالة طّوارئ عامة تتهدّد الحياة العامة والمُعلنُ قيامُها رسميّا …’. كما استخدمت المادة ١٥ من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان مفهوما مُماثلا بقولها ‘ فــي حالة الحرب أو أي خطر عام آخر يهــدد حياة الأمة’. نؤكّد فقط على أنه يجب أن تكون “حالة الطوارئ العامة” خطيرة بطبعها ويجب تحديدها حالة بحالة” [الفقرة ٩٣].

على الرغم من كون قواعد التعليق لا تنصّ على ضرورة نشر الأوامر او الإعلام بها، اعتبرت المحكمة بأن إتاحة الأوامر الحكوميّة للعموم يُمثل مبدأ راسخا في العدالة خاصة عندما يكون للأمر تأثير مباشر على حياة المواطنين وعلى حُرّياتهم وأملاكهم. وأكّدت المحكمة بان المادة ٢٢٦ من دستور الهند يمنح الشخص المُتضرّر الحق الدستوري لنقض أوامر التعليق.

ونظرا للضرورة، أكّدت المحكمة مرّة أخرى بأن “التعليق الكامل والشامل لخدمات الاتصال، سواء كانت الإنترنت أو غيرها، لكونه إجراء مُشدّد يجب اعتباره من طرف الدّولة إلا إذا كان ‘ضروريّا’ و’حتميا’. وتدعيما لذلك، يجب على الدّولة التأكّد من توفر حل بديل يكون أقل اكتساحا”. [القفرة ٩٩]

وأوضحت المحكمة بأن قواعد التعليق لا تُشير إلى الفترة الزمنيّة القُصوى لأمر التعليق. لكن بالنظر إلى مبدأ التناسب اعتبرت المحكمة بأنه لا يُمكن السماح بالتعليق المُطلق وغير محدود الآجال. وبما ان قواعد التعليق كانت صامتة بخصوص آجال الإغلاق المسموح به، اعتبرت المحكمة بأنه يتعيّن على لجنة المُراجعة تحديد تلك الآجال والتأكّد من كونها لا تتجاوز الفترة الضروريّة. عرضت الدّولة ثمانية أوامر أمام المحكمة. أصدر أربعة منها المُفتّش العام للشرطة بينما أذنت حكومة جامو وكشمير بالأربعة أوامر الأخرى.

شرح الوكيل العام بان السلطات رفعت بعض القيود لكنها لا تزال بصدد تقييم الأوضاع على الميدان. أقرّت المحكمة بأنه لا يُمكن تجاهل التهديدات على الأمن العام لكنها ذكرت بأنه يجب أن يعتمد أي قيد الجديد على أمر جديد. بما أن المحكمة لم تتمكّن من الاطلاع على مُختلف الأوامر لتحديد تلك التي لم تعُد نافذة ولم تتمكّن من تقييم أوضاع النظام العام، “اقتصرت على تطويع التخفيف على المستوى التنفيذي”. [الفقرة ١٠٢]

٤) القيود بموجب القسم ١٤٤ لمجلّة الإجراءات الجزائيّة:
اعتبر أصحاب الدّعاوى بأنه يتعيّن على الدّولة لتبرير القيود بمقتضى القسم ١٤٤ لمجلّة الإجراءات الجزائيّة أن تُثبت “إمكانية حدوث عملية قد تؤدّي إلى إعاقة أو إزعاج أو إيذاء أشخاص أو قد تُهدّد الرّاحة العامة، وبأن الحكومة لا يُمكن أن تكون قد أصدرت مثل هذه الأوامر تحسّبا أو بالاعتماد على مُجرّد تخوّفات” [الفقرة ١٠٣]. كان ردّ الدّولة بأن “الماضي المُتقلّب والانتشار الكبير للمعلومات بما في ذلك في المجال العام حول اعتداء خارجي خلقا أوضاعا فرضت إصدار أوامر بمُقتضى القسم ١٤٤” [الفقرة ١٠٤].

ذكرت المحكمة بأن القسم ١٤٤ يُمثل إحدى الآليّات التي تُمكّن الحكومة من الحفاظ على السلم العام ويُمكن اللجوء إليه في حالات الخطر الدّاهم أو المُحتمل. فهو يُمكّن بالتالي الدّولة من اتخاذ إجراءات وقائيّة للتعامل مع التهديدات الوشيكة على الفضاء العام.

أثبتت قضايا سابقة بأنه لا يُمكن فرض قيود بمُقتضى القسم ١٤٤ بمُجرّد احتمال أو افتراض حدوث خطر، لكن فقط لمنع حدوث أعمال مُحدّدة يُمكن أن تؤدّي إلى أخطار. يُمكن فرض قيود على منطقة كاملة إن كانت تحتوي على أشخاص يُخلّون بالنظام العام. أما القيود غير مُحدّدة المُدّة بمقتضى القسم ١٤٤ فتبقى غير دستوريّة. والأوامر التي تمّ إصدارُها بالرجوع إلى القسم ١٤٤ فقد كانت أوامر تنفيذيّة تخضع للمُراجعة القضائيّة حسب المادة ٢٢٦ من الدستور. لا يُمكن للدولة إصدار أوامر متكرّرة لأن ذلك يُمثل استغلال نفوذ.

كما اعتبر أصحاب الدّعاوى بأن الحفاظ على “القانون والنظام” سيُؤدّي إلى فرض مجموعة من القيود تكون أضيق من “النظام العام” بحسب القسم ١٤٤. وافقت المحكمة العليا بان مفهومي “النظام العام” من ناحية و”القانون والنظام” من ناحية أخرى يختلفان حيث إن المفهوم الأخير أوسع. وصفت المحكمة الاختلافات في شكل دوائر متراكزة يُمثل فيها القانون والنظام الدائرة الأكبر “توجد داخلها دائرة أصغر تُمثل النظام العام ثم الدائرة الأصغر وتُمثل أمن الدّولة” [الفقرة ١٢٠]. فالسماح بفرض قيود لحماية القانون والنظام سيوسّع من سلطة ونفوذ الحكومة لفرض قيود، بالإضافة إلى ذلك لا يُمثل كل إخلال بالقانون والنظام تهديدا على النظام العام.

لكن المحكمة أقرّت بانه قد توجد حالات يستحيل فيها التمييز بين أشخاص يُهدّدون النظام العام وآخرين قد لا يُمثلوا أي خطر عليه “فالأمن العام يُمكن تبريرُه لكن إن كانت العمليّة أكبر مما هو متوقع، يُمكن تعزيز الأمر بإجراءات مناسبة تنظمُها أحكام متعدّدة في القانون”. [الفقرة ١٢٤] لكن المحكمة أشارت بأن “الأوامر الصادرة بمُقتضى القسم ١٤٤ من مجلة الإجراءات الجزائيّة لديها انعكاسات مُباشرة على الحقوق الأساسيّة لعامة الناس. فمثل هذا النفوذ إن تم استخدامُه بطريقة منعزلة ومنفصلة قد يكون غير قانونيا بالمرّة [الفقرة ١٢٩]. لذلك يتعيّن إلزاما تحديد الوقائع المادية التي تستوجب اتخاذ مثل هذه الأوامر. أقرّت المحكمة بأن الدولة هي المُهيئة الأكثر لتقييم المخاطر التي تُهدّد النظام العام لكن استوجب عليها عرض الوقائع المادية بمقتضى القسم ١٤٤ لفسح المجال للفحص القضائي وللتأكّد من مشروعيّة الأمر.

نُقطة هامة يجب اعتبارُها هي احتمال الخطر الوشيك وما إذا كان اللجوء إلى القسم ١٦٦ هو أفضل سبيل لتفادي الضرر المُحتمل. يجب على القُضاة ضمان التوازن بين الحق والقيد من ناحية والحق والفرض من ناحية أخرى، ويجب أن تكون كلّ القيود متناسبة أي أن لا “تكون أبدا مُبالغ فيها لا من حيث طبيعتها أو فترة تطبيقُها” [الفقرة ٣٩]. بالإضافة إلى ذلك، لا يُمكن اعتبار الأوامر الآلية أو الصادرة بشكل مُشفّر بكونها أوامر قانونيّة”. [الفقرة ١٣٤]

على الرغم من احتمال رفع القيود، ذكرت المحكمة بأنّه لا يُمكن لها أن تتغافل عن عدم الامتثال للقانون في هذه القضيّة، لأن قضيّة الحال لا تتعلّق فقط بما حدث في جامو وكشمير لكن أيضا بفرض مُراقبة على الدّولة. أكدت المحكمة بانه يجب على الدولة أن تمتثل للقوانين عندما تشعر بتهديد على النظام العام.

وبالتالي انتهت المحكمة إلى أن القوّة التي ينصّ عليها القسم ١٤٤ يُمكن اللجوء إليها “لا فقط عند وجود خطر في الوقت الحاضر لكن أيضا عند توقع حدوث خطر ما. لكن الخطر المُتوقّع يجب أن يكون بطبعه “استعجاليّا” والهدف أن يكون التصدّي لأي عمل يمكن أن يتسبّب في إعاقة أو إزعاج أو إيذاء أشخاص يعملون بصفة مشروعة” [الفقرة ١٤٠]. لا يُمكن استخدام القوّة لكبح التعبير المشروع ولا يُمكن استعمالها إلّا بوجود وقائع ماديّة تُبرّر اللجوء إليها.

٥) حُرّية الصحافة:
رفضت المحكمة شكاوى أصحاب الدّعوى بكون القيود على الحركة والاتصالات المفروضة في جامو وكشمير تُضيّق بشكل مُباشر على حرية الصحافة وعلى قُدرة الصحفيين على ممارسة التزاماتهم المهنيّة. بدأت المحكمة بالتأكيد على أهمّية حُرّية الصحافة التي تمّ الاعتراف بها في الهند منذ سنة ١٩١٤. ذكر المجلس الخاص في قضيّة تشانيغ أرنولد ضد الإمبراطور (١٩١٤) بأن “حُرّية الصحفيين تُمثل جزءا هاما من حُرية الموضوع، ومهما كان المجال الذي يُغطيه الموضوع، يجب أن يكون كذلك مجال الصحفي، لكن باستثناء قانونه الأساسي فلا يتمتع بأي امتيازات أخرى أو أكثر. فنطاق أقواله وانتقاداته وتعاليقه تتسع بقدر اتساع الموضوع ولا أكثر من أي موضوع آخر” [الفقرة ١٤٢]. لا شك إذا بأن حُرية الصحافة هي حقّ مقدس وذي قيمة كبرى يحميه الدّستور الهندي.

اعتبرت المحكمة بأن المُدّعين ذكروا في شكواهم بأن القيود لم تكن لها بالضرورة انعكاسات مُباشرة بل تأثير غير مباشر لكنه قاسيا على حريتهم في التعبير. لكن المحكمة اعتبرت بأن أصحاب الدّعوى لم يتمكّنوا من تقديم الحُجّة بأن القيود عطّلت نشر الصحف في جامو وكشمير أو من تفنيد تصريحات الدولة بأنه تمّ نشر وتوزيع الصحف خلال الفترة التي أُغلقت فيه الاتصالات ووُضعت قيود على الحركة والتنقّل. “بالنظر إلى كل هذه العناصر وباعتبار أن أصحاب الدّعوى استأنفوا نشاطهم في النشر لا نعتبر بأن الأمر يحتاج منا ان نتمعّن أكثر في القضية أكثر من التذكير بأنه يتعيّن على الحكومات المسؤولة أن تحترم حُرّية الإعلام في كل الأوقات. يجب أن تكون الظروف ملائمة ليتمكّن الصحفيون من إعداد مقالاتهم وتقاريرهم ولا يوجد أي مُبرّر لوضع سيف داموكليس على رقاب الصحفيين في كل الأوقات”. [الفقرة ١٥١]


اتجاه الحكم

معلومات سريعة

يشير اتجاه الحكم إلى ما إذا كان الأخير يُوسع من مدي التعبير أم يُضيقه بناءً على تحليل للقضية.

الحكم ذو نتيجة مُتباينة

على الرغم من كون المحكمة لم تذهب إلى حدّ رفع كل القيود على الإنترنت وعلى حركة التنقّل، فإن قرارها عزّز حُرية التعبير من خلال التأكيد على أن النفاذ إلى الإنترنت يُمثل جزءا لا يتجزّأ من حُرّية التعبير ولا يُمكن التضييق عليه إلا ما لا نهاية له حتى باسم الأمن القومي. شرحت المحكمة بصفة مُعمّقة المبادئ والاختبارات التي تُساعد على ضمان التوازن بين الحقوق الأساسيّة والأمن القومي. على غرار ذلك، اكّدت المحكمة على أن الأوامر التي تُؤثر على الحقوق الأساسيّة كحُرية التعبير لا يُمكن تمريرُها بصفة اعتباطيّة بل يجب أن تكون مُتاحة لعامة الناس وخاضعة للمراجعة القضائيّة.

أعدّت مؤسسة حُرّية الإنترنت (IFF) قائمة بالمظاهر السلبية للحُكم بما في ذلك أنّ “المحكمة سمحت للدّولة التملّص من ضرورة الخضوع للمُراجعة القضائيّة عبر سحب الأوامر من دون مُبرّر” أي أن المتضررين الذين تكبّدوا خسائر أثناء فترة التعطيل لم تعد لديهم إمكانية الاستئناف أو البحث عن التعويض، وفي بعض الحالات الخصوصيّة كان بالإمكان اعتبار حظر تام للتعبير بكونه “معقولا”. تجب خاصة الإشارة بأن المحكمة رفضت الدّعوى بكون حُرية الصحفيين في الإعلام تعرّضت للتضييق. كتبت مؤسسة حُرية الإنترنت “إن النتيجة المُباشرة والحتميّة لتعطيل خدمات الاتصالات ومنع الصحفيين من النفاذ المادي إلى بعض المواقع يُمثل انتهاكا لحُرية الصحافة ولا يُمكن الاقتصار على وصفه بكونه مُجرّد أثر قاسي”.

المنظور العالمي

معلومات سريعة

يوضح المنظور العالمي كيف تأثر قرار المحكمة بمعايير سواء من منطقة واحدة أو عدة مناطق.

جدول المراجع المستند اليها

القوانين الدولية و/أو الإقليمية ذات الصلة

  • ICCPR, art. 4
  • ECHR, art. 15.

معيار أو قانون أو فقه وطني

  • India, Constitution of India (1949), art. 19.
  • India, Code of Criminal Procedure, sec. 144
  • India, Indian Telegraph Act of 1885, sec. 5.
  • الهند، رام جيثمالاني وأرس ضدّ اتحاد الهند، (2011) 8 محكمة العدل العليا 1
  • الهند، صحف إنديان إكسبريس (بومباي) ضد اتحاد الهند، (1985) 2 ر. س. 287
  • India, Odyssey Communications Ltd. v. Lokvidayan Sanghatana, 3 SCC 410 (1988)
  • الهند، كلية طب الأسنان الحديثة ومركز الأبحاث ضد ولاية ماديا براديش (2016) ، 7 SCC 353
  • India, Channing Arnold v. The Emperor, (1914) 16 Bom LR 544.

معيار أو قانون أو فقه وطني آخر

  • U.S., Dennis v. United States, 341 U.S. 494 (1951)
  • U.S., Abrams v. United States, 250 U.S. 616 (1919)
  • U.S., Brandenburg v. Ohio, 395 U.S. 444 (1969)
  • U.S., Ex parte Vallandigham, 28 F. Cas. 874.

اهمية القضية

معلومات سريعة

تُشير أهمية هذه القضية إلى مدى تأثيرها وكيفية تغير مدى أهميتها بمرور الوقت.

يُنشئ القرار سابقة ملزمة أو مقنعة داخل نطاقه القضائي.

تم إصدار الحكم من قبل هيئة قضائية تتكون من ثلاثة قضاة بالمحكمة العليا الهندية. ولذلك ، فإنها تنشئ سابقة ملزمة لجميع المحاكم داخلها ، ما لم تبطلها هيئة ذات درجة أعلى بالمحكمة العليا.

تمت الإشارة للحكم في:

وثائق القضية الرسمية

التقارير والتحليلات والمقالات الإخبارية:


المرفقات:

هل لديك تعليقات؟

أخبرنا إذا لاحظت وجود أخطاء أو إذا كان تحليل القضية يحتاج إلى مراجعة.

ارسل رأيك