الحقوق الرقمية, إيقاف تشغيل الإنترنت, الإشراف على المحتوى, تنظيم المحتوى والرقابة عليه, الأمن القومي, الوصول إلى معلومات عامة
مشروع الحقوق الاجتماعيّة والاقتصاديّة والمساءلة ضدّ جمهوريّة نيجيريا الاتحاديّة
نيجيريا
قضية مُنتهية الحكم يَحُد من حُرية التعبير
حرية التعبير العالمية هي مبادرة أكاديمية، ولذلك، نشجعك على مشاركة وإعادة نشر مقتطفات من محتوانا طالما لا يتم استخدامها لأغراض تجارية وتحترم السياسة التالية:
• يجب عليك الإشارة إلى مبادرة جامعة كولومبيا لحرية التعبير العالمية كمصدر.
• يجب عليك وضع رابط إلى العنوان الأصلي للتحليل القضائي أو المنشور أو التحديث أو المدونة أو الصفحة المرجعية للمحتوى القابل للتنزيل الذي تشير إليه.
معلومات الإسناد وحقوق النشر والترخيص لوسائل الإعلام المستخدمة من قبل مبادرة حرية التعبير العالمية متاحة على صفحة الإسناد الخاصة بنا.
هذه القضية متاحة بلغات إضافية: استعرضها بلغة أخرى: English استعرضها بلغة أخرى: Español استعرضها بلغة أخرى: Français
ألغت المحكمة الإداريّة العليا المصرية قرار الدّائرة الابتدائيّة للمحكمة الإداريّة التي فرضت غرامة قدرها ٥٤٠ مليون جنيه ضد الرئيس السابق مبارك ورئيس وزرائه ووزير الداخلية لأمرهم بالتّعليق التّام لخدمات الهاتف المحمول في ٢٨ يناير ٢٠١١ وإيقاف التشغيل الشامل لخدمات الإنترنت في نفس اليوم حتى ٢ فبراير. رأت المحكمة أن أمر الإغلاق يتّفق مع القانون ويستند إلى أساس مشروع للحفاظ على الأمن الوطني والسلامة الإقليمية. رُفعت القضية ضد الرئيس السابق محمد حسني مبارك ورئيس الوزراء السابق أحمد نظيف ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي وآخرين لإصدارهم أوامر لمشغلي الاتصالات بتعليق كامل لخدمات الهاتف المحمول وإيقاف التشغيل شامل لخدمات الإنترنت، دون سابق إنذار، في انتهاك للدستور والقانون.
في ظل نظام مبارك، عاشت مصر حِقْبَة من الفساد السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان والظلم الاجتماعي. فرضت الشرطة حالة من المراقبة والقمع في جميع أنحاء البلاد لإسكات الأصوات المعارضة للنظام وامتلأت السجون بالمعتقلين السياسيين. كان التّضليل الإعلامي سائدًا وكان للنظام سيطرة كاملة على البرلمان وحتى القرارات القضائية المتعدّدة فيما يتعلّق بالتلاعب بالانتخابات لم تنجح في منع التزوير في الانتخابات البرلمانية لسنة ٢٠١٠، مما قوض مبدأ سيادة القانون وسلطة القضاء.
لم يتحمل المصريّون الوضع وقرروا كسر حاجز الصمت من خلال الدعوة على وسائل التواصل الاجتماعي للتظاهر يوم ٢٥ يناير ٢٠١١ (عيد الشرطة الوطني) في ميدان التحرير بالقاهرة ومواقع أخرى في المحافظات الأخرى للتعبير عن تطلعاتهم للتغيير والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية بطريقة سلمية وحضارية ممّا أدهش العالم بأسره. استمرت المظاهرات من ٢٥ يناير ٢٠١١ حتى ١١ فبراير ٢٠١١ عندما تنحى مبارك عن الرئاسة تاركًا السّلطة بأيدي المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
شهد المصريون يوم الجمعة ٢٨ يناير ٢٠١١، أحد أهم أيام الثورة المعروف أيضًا باسم “يوم الغضب”، إغلاقًا كاملًا لجميع خدمات الهاتف المحمول، بما في ذلك خدمات الإنترنت، من قبل مشغلي الاتصالات الثلاثة، فودافون وموبينيل واتصالات، دون إشعار مسبق، في محاولة للحد من حجم المظاهرات. في ذلك اليوم، واجهت الشرطة المتظاهرين بعنف غير مسبوق مما أسفر عن قتل المئات وإصابة الآلاف من المواطنين. لكن في نهاية المطاف، انسحبت الشرطة أمام الصمود الشعبي ونزلت القوات المسلحة إلى الشارع.
بينما استمرّ تعليق خدمات الهاتف المحمول ليوم واحد امتد إيقاف تشغيل خدمات الإنترنت حتى ٢ فبراير. في وقت لاحق، أوضحت شركات الاتصالات أن الإغلاق المفاجئ تم وفقًا لأوامر السلطات المختصة الصادرة وفقًا للعقود المبرمة بين الشركات والحكومة، التي تخول للحكومة إصدار مثل هذه الأوامر في حالة وجود تهديدات للأمن الوطني.
أقام الدعوى كل من المحامي محمد عبد العال ومديرة المركز المصري لحقوق السكن منال الطيبي وعلاء ممدوح ومحمد العتر ضد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ورئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق طارق كامل رئيس الهيئة الوطنيّة للاتصالات ورؤساء شركات الاتصالات الثلاث وغيرهم.
ادعى المدعون أن الإغلاق انتهك بشكل غير عادل حقوقهم الدستورية مما أدى إلى تعرضهم لأضرار مادية ومعنوية جسيمة. كما أكدوا أن خدمات الهاتف المحمول أصبحت وسيلة تكنولوجية رئيسية في تيسير الحياة اليومية للمواطن المصري، خاصةً وأن عدد المصريين الذين يمتلكون هواتف محمولة وصل إلى ما يقرب من ستين مليون شخص، بالتالي فإن الهواتف المحمولة لها تأثير كبير على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لحياتهم. بناء على ذلك وعن الأضرار التي لحقت بالمواطنين المصريين طالب عدد من المدعين المدعى عليهم بدفع تعويضات يجب تخصيصها لإنشاء مؤسسة أهلية، يديرها المدعون بغرض تطوير التعليم والبحث العلمي والتكنولوجي في مصر٬ بينما طالب آخرون المدعى عليهم بدفع تعويضات لخزينة الدولة.
رفضت المحكمة الابتدائية ادعاء المدّعى عليهم بأنها غير مختصّة وفرضت غرامة فقط على الشخصيات المنتمية للنّظام السابق بلغ مجموعها ٥٤٠ مليون جنيه أي ما يعادل قرابة ٩٠ مليون دولار مقسمة على النحو التالي: الرئيس السابق مبارك (٢٠٠ مليون جنيه)، وزير الداخلية السابق العادلي (٣٠٠ مليون جنيه) ورئيس الوزراء السابق نظيف (٤٠ مليون جنيه). أكدت المحكمة في قرارها على حقيقة أن “خدمات الاتصالات والإنترنت ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمجموعة من الحقوق والحريات الأساسية، مثل “حرية التعبير” و”الحق في الاتصال” و”الحق في الخصوصية” و”الحق في الوصول إلى الإنترنت” و”الحق في المعرفة” و”الحق في المعلومات” والحقوق ذات الصلة مثل “الحق في التنمية” و”الحق في الحياة”. لذلك، فإن تقييد هذه الخدمات عن طريق حذفها أو حظرها أو منعها أو إعاقتها يعد انتهاكًا لهذه الحقوق والحريات يؤثر سلبًا على شرعية أمر إيقاف التشغيل.
كذلك أشارت المحكمة كذلك إلى أنه على الرغم من أن الحكومة تذرعت بالأمن الوطني كسبب لأمر الإغلاق، فإنها أخفت الدافع الحقيقي وراء هذا الأمر وهو حماية النظام وليس الدولة. قضت المحكمة في نهاية المطاف بأن أمر الإغلاق يفتقر إلى الأساس القانوني المشروع ويمثل إساءة استخدام للسلطة وانحرافًا عن الصالح العام. بالتالي فهو ينتهك الدستور والقانون ويشكل تعدّيًا على حرية التعبير وحرية الصحافة والحق في الاتصال والحق في الوصول إلى الإنترنت والحق في الخصوصية والحق في المعرفة وتدفق المعلومات وتداولها.
استأنف المدّعى عليهم القرار أمام المحكمة الإدارية العليا.
أصدرت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار أحمد عبد العزيز إبراهيم أبو العزم، رئيس مجلس الدولة المصري، حكمًا قضائيًا.
تمثّلت المسألة الأساسية المطروحة المعروضة على المحكمة في ما إذا كان أمر الحكومة بتعليق جميع خدمات الهاتف المحمول في ٢٨ يناير ٢٠١١ وإيقاف تشغيل خدمات الإنترنت في جميع أنحاء البلاد بين نفس اليوم ويوم ٢ فبراير مشروعًا ويتّفق مع القانون.
ذكّرت المحكمة بأن مسؤولية الهيئات الإدارية تنشأ عند حدوث خطأ من جانب الإدارة عند اصدار قرار إداري يؤدّي إلى إلحاق الضرر بأطراف ثالثة. بالتالي يجب استيفاء اختبار تراكمي يتكوّن من ثلاثة معايير هي الخطأ والضرر والسببية حتى تعترف المحكمة بمسؤولية السلطات الإدارية.
أشارت المحكمة إلى المادة ٦٧ من القانون المصري لتنظيم الاتصالات رقم ١٠ لسنة ٢٠٠٣ باعتبارها الأساس القانوني الذي أصدرت الحكومة المصرية على أساسه أمر تعليق خدمات الهاتف المحمول وإيقاف تشغيل خدمات الإنترنت. تخول المادة السّلطات المختصة “أن تخضع لإدارتها جميع خدمات وشبكات اتصالات أي مشغل أو مقدم خدمة وأن تستدعي العاملين لديه القائمين على تشغيل وصيانة تلك الخدمات والشبكات وذلك في حالة حدوث كارثة طبيعية أو بيئية أو في الحالات التي تعلن فيها التعبئة العامة طبقًا لأحكام القانون رقم ٨٧ لسنة ١٩٦٠ المشار إليه وأية حالات أخرى تتعلق بالأمن القومي.”
لم تذكر المحكمة ولم تشير إلى البنود المتعلّقة بحقوق الإنسان في الدستور المصري في أي مرحلة من مراحل تعليلها. مع ذلك اعتمدت المحكمة بشكل كبير على قرار محكمة النّقض المصرية رقم ٦٥٥/٨٥ في القضية رقم ١٢٢٧/٢٠١١ الذي أيدت فيه محكمة النّقض تبرئة حبيب العادلي، وزير الداخلية السابق الذي اتهم بإصدار أوامر لمشغلي الاتصالات بقطع جميع وسائل الاتصال في ٢٨ يناير ٢٠١١. وأكدت المحكمة أن حكم محكمة النقض أثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن السبب الذي قرر نظام مبارك على أساسه تعليق جميع خدمات الهاتف المحمول وإيقاف تشغيل الإنترنت له أسس مادية وقانونية وكان مدفوعًا حقًّا بالحفاظ على المصلحة العامة والأمن الوطني.
أشارت المحكمة إلى أن قرار محكمة النّقض أكد أن مفهوم الأمن الوطني يُعرف بأنه “قدرة الدولة الشاملة على حماية قيمها ومصالحها من التهديدات الداخلية والخارجية، بمعنى أن للأمن الوطني أبعادًا سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية وأيديولوجية وجغرافية، ولكل بعد خصائصه. بالتالي، فإن شرعية قرار قطع خدمات الهاتف المحمول وخدمات الإنترنت لا تتحقق إلا إذا كان الأمر يتعلق بأحد هذه الأبعاد” وأن محكمة النّقض نظرت في قرارها في عدة شهادات لمسؤولين عموميين أكدوا أن أمر التعليق وإيقاف التشغيل كان مبررًا ولم يفرض إلا بسبب التهديدات التي يتعرض لها الأمن الوطني وكان يسعى إلى منع أعمال الشغب وأعمال التخريب المرتّب لها ووقف أي تحركات منظمة. قدمت الشهادات أمثلة مختلفة على هذه التهديدات للأمن الوطني مثل “اقتحام السجون الذي رافقه استخدام القوة بمشاركة عناصر إرهابية أجنبية وبعض الجماعات البدوية الناشطة إجراميًا فضلًا عن الهجمات على مراكز الشرطة”. كما شهدوا أن “عددا من العناصر الأجنبية كانوا موجودين في ميدان التحرير بين المتظاهرين وأن جاسوسًا أمريكيًا يهوديًا يعمل لصالح الموساد اعتقل هناك وتم تبادله في النهاية مقابل 35 سجينًا مصريًا كانوا يقبعون في السجون الإسرائيلية. هذا بالإضافة إلى تهريب الأسلحة من قطاع غزة إلى مصر بهدف خلق اضطرابات داخل البلاد”.
بناءًا على ذلك، رأت محكمة النّقض أن الجانب الأيديولوجي للأمن الوطني قد تحقق مما يتطلب مواجهة هذه التهديدات الأمنية الداخلية والخارجية. لذلك تم تشكيل لجنة وزارية للتحقيق في هذه التهديدات والتعامل معها واللجنة لم تعترض على أمر التعليق وإيقاف التشغيل الذي يثبت بوضوح أن الأمر كان يهدف إلى منع تهديد الأمن الوطني. كما استندت محكمة النّقض إلى شهادة رئيس الجهاز المصري لتنظيم الاتصالات الذي أكد قانونية أمر التعليق وإيقاف التشغيل استنادًا إلى المادة ٦٧ من قانون الاتصالات، مشيرًا إلى أن “العالم شهد أوامر تعليق وإغلاق مماثلة، ولم تتم مقاضاة أي شخص بسبب ذلك”.
اتفقت المحكمة الإدارية العليا مع محكمة النّقض وأكدت مجددًا أن الأحداث المقلقة التي أحاطت بثورة يناير كانت تمثّل قوى داخلية وخارجية تسعى إلى “المساس بالنظام العام والوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي” وبالتالي شكلت أساسًا مشروعًا لأمر التعليق وإيقاف التشغيل. كما أشارت المحكمة إلى أن هذه القوى هدفت إلى “تحقيق طموحات بعض القوى الإقليمية وتقويض سلطة الدولة ونشر الفوضى وعرقلة التوازن الاستراتيجي العسكري للدولة، ممّا من شأنه أن يؤثر سلبًا على قدرة الدولة على الحفاظ على سيادتها وسلامة أراضيها”. لذلك كان من الضروري إعطاء الأولوية للمصلحة العامة على المصالح الفردية والخاصة.
بعد مراعاة هذه المعايير، خلصت المحكمة إلى أنه من الواضح أن معيار “الخطأ” في الاختبار التراكمي لم يتم استيفاؤه وبالتالي فإن أمر تعليق خدمات الهاتف المحمول وإيقاف تشغيل الإنترنت له أساس مشروع ويتفق مع القانون.
بعد النظر في كل هذا، ألغت المحكمة الإدارية العليا قرار المحكمة الابتدائية وألغت الغرامة المفروضة على مبارك والعادلي ونظيف.
يشير اتجاه الحكم إلى ما إذا كان الأخير يُوسع من مدي التعبير أم يُضيقه بناءً على تحليل للقضية.
بينما رأت المحكمة الإدارية العليا أن قرار التعليق التام لخدمات الهاتف المحمول وإيقاف تشغيل خدمات الإنترنت كان له هدف مشروع يتمثّل في حماية الأمن الوطني ، فقد تجاهلت الاستنتاج الذي توصلت إليه المحكمة الابتدائيّة بأن الدافع الحقيقي وراء هذا القرار هو “العمل استراتيجيًّا على ١) شل وتفريق المظاهرات، ٢) منعهم من التواصل والتعبير عن مطالبهم السلمية، ٣) منع وصول جميع وسائل الإنقاذ وسيارات الإسعاف لنقل المصابين أو القتلى إلى المستشفيات، و ٤) تمكين قطّاع الطّرق من مهاجمة المتظاهرين”. وقد دعمت هذا الاستنتاج تقارير مختلفة من منظمات حقوق الإنسان ولجان التحقيق الوطنية.
كما أخطأت المحكمة بموافقتها على حجة المدعى عليهم بأن أمر التّعليق وإيقاف التشغيل يحفظ الأمن الوطني بعد أن أثبتت الحقائق خلاف ذلك حيث نجحت القوات الداخلية والخارجية المزعومة في اقتحام السجون وإطلاق سراح السجناء وتعرضت أقسام الشرطة للهجوم وتدمير بعضها أو إضرام النار فيها مما لم يترك مجالًا سوى أن تتولى القوات المسلحة المصرية حماية الأمن الداخلي. من ناحية أخرى، فإن المتظاهرين السلميين وحتى أولئك الذين لم يغادروا منازلهم هم الذين عانوا من ذلك الأمر عندما اقترن هذا التعليق الكامل وإيقاف التشغيل الشامل بانسحاب الشرطة من الشوارع، متخلية عن التزامها الرئيسي بالحفاظ على النظام والسلامة العامة.
تكبد الاقتصاد المصري خسائر فادحة بسبب أمر التعليق وإيقاف التشغيل الذي قدرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بما يناهز 90 مليون دولار.
عمومًا، يشكّل هذا القرار حيدًا واضحًا ليس فقط عن معايير حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا والقيود المبررة التي وضعتها مختلف الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، بل أيضًا عن المعايير الأساسية لحقوق الإنسان المنصوص عليها في الدستور المصري.
يوضح المنظور العالمي كيف تأثر قرار المحكمة بمعايير سواء من منطقة واحدة أو عدة مناطق.
تُشير أهمية هذه القضية إلى مدى تأثيرها وكيفية تغير مدى أهميتها بمرور الوقت.