تنظيم المحتوى والرقابة عليه, الوصول إلى معلومات عامة
جنكيز ضدّ تركيا
تركيا
قضية مُنتهية الحكم يُعزز من حُرية التعبير
حرية التعبير العالمية هي مبادرة أكاديمية، ولذلك، نشجعك على مشاركة وإعادة نشر مقتطفات من محتوانا طالما لا يتم استخدامها لأغراض تجارية وتحترم السياسة التالية:
• يجب عليك الإشارة إلى مبادرة جامعة كولومبيا لحرية التعبير العالمية كمصدر.
• يجب عليك وضع رابط إلى العنوان الأصلي للتحليل القضائي أو المنشور أو التحديث أو المدونة أو الصفحة المرجعية للمحتوى القابل للتنزيل الذي تشير إليه.
معلومات الإسناد وحقوق النشر والترخيص لوسائل الإعلام المستخدمة من قبل مبادرة حرية التعبير العالمية متاحة على صفحة الإسناد الخاصة بنا.
هذه القضية متاحة بلغات إضافية: استعرضها بلغة أخرى: English استعرضها بلغة أخرى: Español
اعتبرت المحكمة الدّستوريّة في كولمبيا أن للمستهلكين الحقّ في الاطّلاع على المخاطر الصحيّة التي يتسبب فيها استهلاك المشروبات السكريّة. تتعلّق الدّعوى بمنظّمة غير ربحيّة تلقّت أمرا بالتوقّف عن بثّ إعلان يمرّ في وسائل الاعلام العموميّة لوصف المخاطر النّاجمة عن الاستهلاك المفرط للسكّر. اعتبرت المحكمة الدّستوريّة الكولومبية أنّ منع المنظّمة غير الحكوميّة من بثّ ذلك الإعلان يشكّل انتهاكا لحقّ المستهلك في الحصول على المعلومات وأنّ منع الإعلانات في الاعلام العمومي هو نوع من أنواع الرّقابة المفروضة. عند اتّخاذ قرارها أشارت المحكمة بطريقة موسّعة إلى المعايير الدوليّة والاقليميّة وخاصّة تلك المعتمدة من قبل محكمة البلدان الأمريكيّة لحقوق الانسان والمحكمة الأوروبيّة لحقوق الانسان لإبراز أهميّة حريّة التّعبير في المجتمع الدّيمقراطي.
أطلقت المنظّمة غير الحكوميّة Educar Consumidores إعلانا تجاريّا في شهر أغسطس ٢٠١٦ في إطار حملة مناصرة من أجل فرض ضريبة بقيمة ٢٠% على المشروبات السكريّة فتقدّمت شركة من أكبر شركات المشروبات السكريّة في كولومبيا بدعوى لدى هيئة الاشراف على الصّناعة والتّجارة (SIC) وهي السّلطة الإداريّة الكولومبيّة المكلّفة بحماية المستهلك واحتجّت بأنّ الإعلان مضلّل.
بعد تحليل الإعلان أمرت هيئة الاشراف على الصّناعة والتّجارة المنظّمة غير الحكوميّة بسحبه فورا وبأن ” ترسل في المستقبل أيّ مادّة إعلانيّة تتعلّق بالمشروبات السكريّة التي (…) تعتزم بثّها عبر ايّ وسيلة من وسائل الاعلام (…) قبل البثّ لتخضع جميع المعلومات والصّور والتّصريحات وايّ بيانات أخرى للرّقابة الوقائيّة ” من طرف هيئة الاشراف على الصّناعة والتّجارة. شمل ذلك الاجراء نشر المعلومات عبر شبكات التّواصل الاجتماعي ومواقع الواب ومنصّات بثّ أشرطة الفيديو. كما منعت هيئة الاشراف على الصّناعة والتّجارة SIC موظّفي المنظّمة غير الحكوميّة من التحدّث للعموم بشأن العلاقة بين استهلاك المشروبات السكريّة والصحّة أو حتّى الأبحاث الرسميّة المتعلّقة بهذا الموضوع التي أنجزتها وزارة الصحّة والّا فسيتمّ فرض غرامة بقيمة تناهز ٢٥٠ ألف دولار أمريكي على المنظّمة.
تمّ تقديم التماسين قضائيّين لحماية الحقوق الدّستوريّة ضدّ الأوامر التي أصدرتها هيئة الاشراف على الصّناعة والتّجارة. تقدّمت بالالتماس الأوّل منظّمة Educar Consumidores وقالت فيها أنّ حقّها في حريّة التّعبير قد أُنتهك عندما فرضت هيئة الاشراف على الصّناعة والتّجارة رقابة على الإعلان إضافة إلى انتهاك حقّها الأساسيّ في معالجة طلبها حسب الأصول الجرائيّة الواجبة عندما تمّ اتّخاذ القرار دون اشعارها على نحو سليم بالإجراءات.
قالت هيئة الاشراف على الصّناعة والتّجارة أنّ حقوق المنظّمة الحكوميّة لم تُنتهك واعتبرت أنّه طالما الحقّ في حريّة التّعبير وفي الاعلام ليسا من الحقوق المطلقة يمكن الحدّ منهما “عندما تتطلّب المصلحة العامّة ذلك أو كما هو في قضيّة الحال، عند انعدام المصداقيّة في المعلومات (التي تمّ بثّها)”. رفضت كلّ من المحكمة الابتدائيّة ومحكمة الاستئناف ذلك الالتماس لحماية الحقوق الدّستوريّة.
أشارت محكمة الاستئناف إلى أنّ حريّة التّعبير ليست حقّا مطلقا ويمكن بالتّالي لهيئة الاشراف على الصّناعة والتّجارة ان تطالب بالدّليل العلمي الذي يدعم المعلومات التي تمّ بثّها. واعتبرت أنّ هيئة الاشراف على الصّناعة والتّجارة كانت تسعى إلى حماية حقوق المستهلك في تلقّي معلومات متماسكة ومنسجمة ليتمكّن من أخذ قرارات استهلاكيّة مستنيرة.
أمّا الدّعوى الثانية فقد رفعها أعضاء التّحالف من أجل الغذاء الصحّي معتبرين أن الأوامر التي أصدرتها هيئة الاشراف على الصّناعة والتّجارة تنتهك حقوق المستهلك في الحصول على معلومات حول المخاطر الصحيّة لاستهلاك المشروبات السكريّة.
رفضت المحكمة الابتدائيّة الالتماس واعتبرته غير مقبول. تمّ قبول التماس حماية الحقوق الدّستوريّة في الطّور الثاني من التّقاضي من قبل محكمة العدل العليا. فيما يتعلّق بحق المستهلك في النّفاذ إلى المعلومة، قالت المحكمة أنّ ذلك يتمثّل في ” تمكين المستهلك ليطّلع على محتوى السّلع والخدمات المعروضة في السّوق ويبني فكرة واعية وحرّة ومستنيرة حول الجودة وتبعات استخدام تلك الخدمات والمنتجات (…)”. أثارت المحكمة بالخصوص التّعليق العام عدد ١٤ للجنة المعنيّة بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة مبرزة أهميّة الاعلام في حماية الصحّة. وأكّدت في هذا السّياق على أنّ ” النّقاش بشأن الدقّة العلميّة للرّسالة التي تقدّمها Educar Consumidores (…) يعني دون أيّ مجال للشكّ مستهلكي تلك المشروبات لأنّهم ليسوا مجرّد مستهلكين سلبيّين بل هم مواطنون يتّخذون قراراتهم (…) ولهم الحقّ في طلب المعلومات والأفكار وتلقّيها ونقلها بشأن المخاطر التي تتعرّض لها صحّتهم”.
استعرضت المحكمة الدّستوريّة التماسي حماية الحقوق الدّستوريّة ودمجتهما في دعوى قضائيّة موحّدة. اعتبرت المحكمة أنّ هيئة الاشراف على الصّناعة والتّجارة انتهكت حقّ الطّرف المتقدّم بالطّلب في معالجة طلبه حسب الأصول الإجرائيّة الواجبة وحقّه الأساسيّ في الحصول على المعلومات، على المستوى الفرديّ والمستوى الجماعي، عندما قرّرت اتّخاذ إجراءات بلغت مستوى الرّقابة المسبقة.
كما اعتبرت المحكمة أنّ الإجراءات المتّخذة لم ينصّ عليها القانون وأنّها لم تُتّخذ متابعة لحاجة ماسّة ولم تكن بالتّالي ضروريّة.
طلبت هيئة الاشراف على الصّناعة والتّجارة إثر ذلك الغاء القرار على أساس أنّه تتنافى مع أيّ سابقة دستوريّة أخرى. بيد أنّ الجلسة العامّة للمحكمة الدّستوريّة قرّرت بالإجماع، بتاريخ ١٤ مارس ٢٠١٨ ، تأييد القرار.
كان على المحكمة أنّ تحدّد “ما إذا انتهكت هيئة الاشراف على الصّناعة والتّجارة حقّ المدّعي في حريّة التّعبير من خلال فرض مراقبة مسبقة على مضمون المعلومات المعدّة للنّشر بشأن استهلاك المشروبات السكريّة”. (ص.٢٥)
بناء على المعايير الدوليّة والاقليميّة، أبرزت المحكمة الدّستوريّة أهميّة حريّة التّعبير في المجتمع الدّيمقراطيّ وأشارت المحكمة بالتّحديد إلى محكمة البلدان الأمريكيّة لحقوق الانسان للتّأكيد على “العلاقة الوثيقة التي تربط بين الدّيمقراطيّة وحريّة التّعبير جزما بأنّ حريّة التّعبير هي عنصر أساسيّ يقوم عليه وجود المجتمع الدّيمقراطيّ. وذكرت في نفس الاتّجاه أنّ حريّة التّعبير هي شرط لا غنى عنه لمن يريد التّأثير على المجتمع من أجل نموّه ولذلك أكّدت محكمة البلدان الأمريكيّة لحقوق الانسان أنّ المجتمع الذي ليس مستنيرا تماما لا يمكنه أن يتمتّع بملء حريّته”. ولخّصت المحكمة أيضا وظائف حريّة التّعبير في المجتمع الدّيمقراطيّ على النّحو التّالي: “(١) تسمح بالبحث عن الحقيقة وتنمية المعارف؛ (٢) تسمح بتفعيل مبدأ الحكم الذّاتي؛ (٣) تعزّز الاستقلاليّة الشخصيّة؛ (٤) تقي ضدّ سوء استعمال السّلطة؛ و (٥) تشكّل صمّام أمان يدفع نحو المعارضة السلميّة للقرارات الحكوميّة أو الاجتماعيّة غير المتقاسمة.” (ص.٣٤)
إشارة إلى المحكمة الأوروبيّة لحقوق الانسان، ذكرت المحكمة أنّه من واجب الدّولة الّا تكتفي بضمان نشر الأفكار التي تعتبرها “مناسبة وغير ضارّة أو محايدة بل وكذلك تلك الصّادمة وتنكر الجميل وتزعج الدّولة أو أي مجال من مجالات المجتمع”. (ص.٣٣) أقرّت المحكمة بأنّ حريّة التّعبير تشمل ” لا فقط الحقّ في التّعبير بحريّة عن الأفكار بل وأيضا الحق والحريّة في البحث عن كافّة أصناف المعلومات والأفكار وتلقّيها ونقلها”. وفي هذا السياق تكتسب حريّة الرّأي بعدا ” فرديّا” و “اجتماعيّا” يجب ضمانهما في نفس الوقت لتشكيل حقّ “ذي اتّجاهين”. (ص.٣٦)
إضافة إلى ذلك ذكّرت المحكمة بأنّ حريّة التّعبير ليست حقّا مطلقا بل يمكن الحدّ منه في الحوارات المتصّلة بالصّالح العام وقالت بالتّحديد: ” يعتبر (…) أيّ حدّ من حريّة التّعبير مشبوها و يجب إذا إخضاعه إلى اختبار دقيق لتحديد مدى دستوريّته و هو ما يتطلّب التأكّد من أنّ القيد الذي يراد فرضه : ١) نصّ عليه القانون، ٢) يسعى إلى هدف مقنع ينبغي أن يكون في علاقة باحترام حقوق الغير أو حماية الأمن الوطني أو النّظام العام أو الصحّة العموميّة أو الأخلاق؛ ٣) ضروريّ لتحقيق تلك الأهداف؛ و ٤) لا يفرض قيدا لا موجب له على ممارسة حريّة التّعبير. كما يجب التأكّد من أنّ ٥) التّدابير التّقييديّة تلي ولا تسبق التّعبير الخاضع للتّقييد وأنّها ٦) لا تمثّل ايّ شكل من أشكال الرّقابة وهو ما يتطلّب الالتزام بالحياد تجاه مضمون التّعبير الخاضع للتّدابير التّقييديّة.” (ص.٣٩)
أشارت المحكمة إلى أنّ الاتفاقيّة الأمريكيّة لحقوق الانسان ودستور كولمبيا يمنعان الرّقابة المسبقة وذكرت أنّ الرّقابة المسبقة يمكن أن تمارس بأشكال مختلفة من المطالبة بتصريح مسبق إلى الطّرق الأكثر مكرا وتلك غير المباشرة. يمكن توزيعها على أربع مجموعات من أشكال الرّقابة: ١) الرّقابة المفروضة على الاعلام وعلى العمل الإعلامي؛ ٢) على محتوى المعلومات؛ ٣) على النّفاذ إلى المعلومات؛ أو على ٤) الصحفيّين. (ص.٤٢)
أكّدت المحكمة كذلك على أنّ حماية حريّة التّعبير والحدود التي يمكن فرضها تنطبق على الانترنت وعلى شبكات التّواصل الاجتماعي على النّحو الذي تنطبق به على وسائل الاعلام الأخرى ولذلك لا بدّ من تحليل أي قيود مفروضة على ضوء نفس المعايير. (ص.٤٣)
في قضيّة الحال، قرّرت المحكمة تطبيق اختبار التّدقيق نظرا إلى أهميّة الحقّ في الاعلام وحقّ المستهلك في تلقّي المعلومات وقد اعتبرت المحكمة أنّ هذه الحقوق تخدم العديد من الوظائف الأساسيّة: “١) ضمان حقّ المستهلكين في الحصول على المعلومات المناسبة بشأن المواد الغذائيّة التي يستهلكونها و هو ما يمنح كامل معناه لحقهم في المعلومة؛ ٢) تمكين المستهلك من أن يختار بكلّ حريّة المنتجات التي يريد استهلاكها طبقا لتوجّهاته الخاصّة في الحياة و احتراما لحقّه في الاختيار؛ ٣) ضمان الحماية و الوقاية في المسائل الصحيّة باعتبار المخاطر المفترضة في علاقة بجوانب ظهور المنتجات الجديدة التي لم يكن المجتمع يعرفها من قبل، و ذلك بناء على مبدأ الحيطة. (و) ٤) تيسير مراقبة تلك المنتجات من طرف السّلط المعنيّة”. (ص.٤٨)
اعتبرت المحكمة الدّستوريّة أنّ الإعلان لم يروّج لأيّ منتج بل بالعكس فهو يدخل في إطار حملة لفائدة الصحّة العموميّة كانت تسعى إلى لفت النّظر إلى المخاطر الصحيّة التي يطرحها الاستهلاك المفرط للمشروبات السكريّة.
بناء على ذلك قضت المحكمة بأنّ التّدابير التي اعتمدتها هيئة الاشراف على الصّناعة والتّجارة لم ينصّ عليها القانون بما أنّ القانون المتعلّق بالدّفاع عن المستهلك لا يفوّض لهيئة الاشراف على الصّناعة والتّجارة أيّ سلطة للقيام بأيّ نوع من المراقبة المسبقة على المعلومات كإجراء وقائيّ. كما أنّ التّدابير المعتمدة لم تكن تسعى إلى الاستجابة إلى حاجة ملحّة لأنّ الحماية المزعومة لحقّ المستهلك في المعلومة كان يقوم على مغالطة تعتبر أنّ ” المستهدفين من طرف الحملة ليسوا من صنّاع القرار الذي لهم القدرة على التّمييز وعلى بناء معاييرهم الخاصّة”. أخيرا اعتبرت المحكمة أنّ التّدابير لا لزوم لها لأنّه توجد تدابير أخرى أقلّ ضررا.
اعتبرت المحكمة أيضا أنّ التّدابير المعتمدة تشكّل رقابة مسبقة من خلال فرض مراقبة قبليّة على المضمون الذي يزمع نشره.
أكّدت المحكمة الحقّ الدّستوري الذي تتمتّع به منظّمة Educar Consumidores في نقل المعلومات وحقّها في معالجة طلبها حسب الأصول الجرائيّة الواجبة و أكّدت قرار محكمة العدل لصالح حماية حقوق المستهلكين في تلقّي المعلومات.
يشير اتجاه الحكم إلى ما إذا كان الأخير يُوسع من مدي التعبير أم يُضيقه بناءً على تحليل للقضية.
يؤكّد القرار مرّة أخرى ما جاء في المعايير الدوليّة فيما يتعلّق بأهميّة حريّة التّعبير، بما فيها الحقّ في نقل وتلقّي المعلومات، في المجتمع الدّيمقراطيّ؛ وبالهامش المحدود المتاح لفرض قيود على الحوار بشأن المسائل ذات الصّلة بالصّالح العام؛ ومنع الرّقابة المسبقة.
يوضح المنظور العالمي كيف تأثر قرار المحكمة بمعايير سواء من منطقة واحدة أو عدة مناطق.
تُشير أهمية هذه القضية إلى مدى تأثيرها وكيفية تغير مدى أهميتها بمرور الوقت.