منظّمة Big Brother Watch ضدّ المملكة المتّحدة (رقم ٢)

قضية مُنتهية الحكم ذو نتيجة مُتباينة

Key Details

  • نمط التعبير
    التواصل الإلكتروني / القائم على الإنترنت
  • تاريخ الحكم
    مايو ٢٥, ٢٠٢١
  • النتيجة
    المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان, انتهاك للمادة الثامنة, انتهاك للمادة العاشرة
  • رقم القضية
    ٥٨١٧٠/١٣٬ ٦٢٣٢٢/١٤٬ ٢٤٩٦٠/١٥
  • المنطقة والدولة
    المملكة المتحدة, أوروبا وآسيا الوسطى
  • الهيئة القضائية
    المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان
  • نوع القانون
    القانون الدولي / الإقليمي لحقوق الإنسان, القانون الجنائي
  • المحاور
    المراقبة / التصنت, الخصوصية وحماية البيانات والاحتفاظ بها, الأمن القومي
  • الكلمات الدلالية
    وكالات الاستخبارات, حماية المصادر

سياسة اقتباس المحتوى

حرية التعبير العالمية هي مبادرة أكاديمية، ولذلك، نشجعك على مشاركة وإعادة نشر مقتطفات من محتوانا طالما لا يتم استخدامها لأغراض تجارية وتحترم السياسة التالية:

• يجب عليك الإشارة إلى مبادرة جامعة كولومبيا لحرية التعبير العالمية كمصدر.
• يجب عليك وضع رابط إلى العنوان الأصلي للتحليل القضائي أو المنشور أو التحديث أو المدونة أو الصفحة المرجعية للمحتوى القابل للتنزيل الذي تشير إليه.

معلومات الإسناد وحقوق النشر والترخيص لوسائل الإعلام المستخدمة من قبل مبادرة حرية التعبير العالمية متاحة على صفحة الإسناد الخاصة بنا.

هذه القضية متاحة بلغات إضافية:    استعرضها بلغة أخرى: English    استعرضها بلغة أخرى: Español    استعرضها بلغة أخرى: Français

تحليل القضية

ملخص القضية وما انتهت اليه

في قضية منظّمة Big Brother Watch وآخرون ضد المملكة المتحدة (رقم ٢)، خلصت الدائرة الكبرى للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى أن المادة ٨(٤) والباب الثاني من قانون تنظيم سلطات التحقيق في المملكة المتحدة قد انتهكا الحق في الخصوصية وحرية التعبير المنصوص عليهما في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (الاتفاقية). جادل المدّعون بشأن توافق ثلاثة برامج مراقبة إلكترونية تستخدمها مكاتب الاتصالات الحكوميّة البريطانيّة (وكالة الاستخبارات البريطانيّة) مع الاتفاقية. البرامج المعنيّة هي التّالية: (أ) التنصّت الجماعي في إطار برنامج TEMPORA، الذي يخزن ويدير كميات كبيرة من البيانات المستمدة مباشرة من أصحابها؛ و(ب) نظام تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الدول الأجنبية، وخاصّة الولايات المتحدة الأمريكية عبر برنامجي PRISM و Upstream؛ و(ج) شراء بيانات الاتصالات من مزودي خدمات الاتصالات. تم تقديم الشكاوى الثلاث بعد أن كشف إدوارد سنودن عن وجود برامج مراقبة تديرها أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة الأمريكية وفي المملكة المتحدة. رأت الدائرة الكبرى أن نظم المملكة المتحدة المتعلقة بالتنصّت الجماعي والحصول على البيانات لدى مزوّدي خدمات الاتصالات انتهكت الاتفاقية حيث تم الكشف عن النّقائص التالية: (أ) عدم وجود إذن وإشراف مستقلّ (ما يسمى “بالضمانات الشاملة”)؛ و(ب) لم يتم تتضمن طلبات الحصول على أمر قضائي أي فئة من المحدّدات؛ (ج) لا توجد موافقة داخلية مسبقة على المحدّدات المتّصلة بشخص محدّد الهويّة؛ و(د) لم تدرس الدولة تدابير أخرى أقل تدخليّة قبل تفعيل وتنفيذ برامج المراقبة الإلكترونية، من ضمن ضمانات أخرى.


الوقائع

تتعلق القضية بثلاث شكاوى تمّ تقديمها إثر ما كشفه المستشار الوطني الأمريكي السابق للاستخبارات الحاسوبية، إدوارد سنودن فيما يتعلق ببرامج المراقبة الإلكترونية التي تديرها أجهزة الاستخبارات في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.
الشّكاوى هي التّالية: (١) الدّعوى رقم ٥٨١٧٠/١٣ تقدّمت بها منظّمة Big Brother Watch ومنظّمة English PEN ومنظّمة One Rights Group والدكتورة كونستانز كورتس؛ و(٢) الدّعوى رقم ٦٢٣٢٢/١٤ تقدّمت بها منظّمة مكتب الصحافة الاستقصائية وأليس روس؛ و(٣) الدّعوى رقم ٢٤٩٦٠/١٥ تقدّمت بها منظمة العفو الدولية ومبادرة Bytes For All والمجلس الوطني للحريات المدنية والاتحاد الأمريكي للحريات المدنية والمجلس الأيرلندي للحريات المدنية والجمعية الكندية للحريات المدنية والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية والاتحاد المجري للحريات المدنية ومنظّمة الخصوصية الدولية والاتحاد الأمريكي للحريات المدنية ومركز الموارد القانونية (منظّمات الدّفاع عن حقوق الانسان العشر)، جميعها ضد المملكة المتحدة.

منظمة Big Brother Watch وآخرون ضد المملكة المتحدة (الدعوى رقم ٥٨١٧٠/١٣)

في ٣ يوليو٢٠١٣، تقدم المدعون في أولى القضايا التي تمّ ضمّها برسالة إلى الحكومة تسلط الضوء على شكاواهم ويطلبون فيها الإعلان بأنّ المادة ٨ من قانون تنظيم سلطات التّحقيق في المملكة المتحدة، والمادتين ١ و٣ من قانون خدمات الاستخبارات لسنة ١٩٩٤ والمادة ١ من قانون الخدمات الأمنية لسنة ١٩٨٩ تمثّل انتهاكًا لحقوقهم المنصوص عليها في الاتفاقية. لكن الحكومة أشارت بتاريخ ١٦ يوليو ٢٠١٣ إلى أنه وفقًا للمادة ٦٥(٢) من قانون تنظيم سلطات التّحقيق في المملكة المتحدة، فإن ادعاءات حقوق الإنسان ضد دوائر الاستخبارات تقع خارج نطاق اختصاص المحكمة العليا، لكن يمكن للمدّعين تقديم شكاواهم القانونية إلى محكمة سلطات التحقيق، وهي محكمة متخصصة أُنشئت بموجب قانون تنظيم سلطات التّحقيق في المملكة المتحدة ولها اختصاص حصري للنظر في ادعاءات التعدي بموجب الصك القانوني المذكور أعلاه. مع ذلك، وعقب رد الحكومة المؤرخ في ٢٦ يوليو ٢٠١٣، لم يتخذ المدعون أي إجراء آخر.

في نهاية المطاف، قدم المدعون شكوى إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان محتجّين، من ضمن مسائل أخرى، بأنّ نظام التنصّت الجماعي لا يتوافق مع المادة ٨ من الاتفاقية. في هذا السّياق، احتجّ المدعون بأنّ التنصّت الجماعي على الاتّصالات يقع خارج مجال تقدير الدولة لأنه لم يكن متناسبًا ولا ضروريًا طبقا لنصّ المادة ٨ من الاتفاقية.

منظّمة مكتب الصحافة الاستقصائيّة وأليس روس ضدّ المملكة المتّحدة (الدّعوى رقم ٦٢٣٢٢/١٤)

في القضيّة الثانية، لم يستنفد المدعون سبل الانتصاف القانوني المحليّة لأنهم اعتبروا أنّها غير فعالة في حماية حقوقهم المنصوص عليها في الاتفاقية. بدلًا من ذلك، تقدّموا بشكوى إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بحجة أن نظام التنصّت الجماعي لا يتوافق مع حقهم في الخصوصية (المادة ٨ من الاتفاقية). بالإضافة إلى ذلك، ذكر المدّعون أن النظام المنصوص عليه في المادة ٨(٤) ينتهك الحماية التي توفرها المادة ١٠ من الاتفاقية للاتصالات المميزة التي تتمتّع بحصانة قانونيّة.

منظّمات الدّفاع عن حقوق الإنسان العشر ضدّ المملكة المتّحدة (الدّعوى ٢٤٩٦٠/١٥)

تقدّم كلّ مدّعي في القضيّة الثالثة من القضايا التي تمّ ضمّها بشكوى لدى محكمة سلطات التّحقيق في الفترة الفاصلة بين يونيو وديسمبر ٢٠١٣ بحجة أن أجهزة الاستخبارات في المملكة المتحدة انتهكت المواد ٨ و١٠ و١٤ من الاتفاقية من خلال (أ) النّفاذ إلى المحتويات التي تمّ التقاطها وبيانات الاتصالات التي سلّمتها حكومة الولايات المتحدة بموجب برنامجي PRISM وUpstream؛ و(ب) اعتراض وفحص وتخزين الاتصالات والبيانات بموجب برنامج TEMPORA. أصدرت محكمة سلطات التّحقيق ثلاثة أحكام بتاريخ ٥ ديسمبر ٢٠١٤ و٦ فبراير ٢٠١٥ و٢٢ يونيو ٢٠١٥، خلصت فيها إلى ما يلي:

أ‌) فيما يتعلّق ببرنامج PRISM

برنامج PRISM تديره حكومة الولايات المتحدة لاستهداف المعلومات السرية والشخصية لدى مزودي خدمات الاتّصالات والنّفاذ إليها. في حكمها، قضت محكمة سلطات التّحقيق بأنّ الامتثال للمادّة ٨ من الاتفاقيّة يتطلّب أن تكون القواعد التي تنظّم برامج المراقبة الإلكترونية دقيقة ومنصوص عليها بوضوح في المعايير الوطنية. لكن في مجال الأمن القومي لم تفرض سوى شروط محدودة للوفاء بهذا الالتزام القانوني، وبالتّحديد أن ” توجد قواعد أو ترتيبات مناسبة تكون ومعروفة للعموم ومؤكدة مع وضع علامات كافية على محتواها، مثل الاشارة إليه بشكل واضح” وأن “تخضع للإشراف المناسب”. وبناءً على ذلك، رفضت محكمة سلطات التّحقيق تلك الشّكوى. [الفقرة ٤١]

فيما يتعلق بالقضية التي رفعتها منظمة العفو الدولية، تبيّنت محكمة سلطات التّحقيق أنه قد تمّ اعتراض رسائل شخصيّة عبر البريد الإلكتروني وفحصها بشكل قانوني بموجب المادة ٨(٤) من قانون تنظيم سلطات التحقيق في المملكة المتحدة. لكنّ محكمة سلطات التّحقيق كشفت أن المحتويات السرية قد تم الاحتفاظ بها لفترة أطول مما هو مسموح به وفقًا للنّظام الداخلي لوكالة الاستخبارات البريطانيّة، مما يشكل انتهاكا للمادة ٨ من الاتفاقية. لكن محكمة سلطات التّحقيق أكدت أن المحتويات المعترضة لم يتم النّفاذ إليها أو فحصها بعد انقضاء المهلة الزمنية المعمول بها. لذلك أمرت المحكمة وكالة الاستخبارات البريطانيّة بإتلاف المحتويات المحتفظ بها لفترة أطول مما هو مسموح به قانونًا وتقديم تقرير ختامي في غضون أربعة عشر يومًا يؤكد إتلاف تلك المحتويات. لم تمنح المحكمة أي تعويض في هذه القضية.

أخيرًا، وفيما يتعلق بمركز الموارد القانونية، وجدت محكمة سلطات التّحقيق أن الاتصالات المرسلة من عنوان بريد إلكتروني مرتبط بالمركز قد تم اعتراضها وفحصها بمقتضى أمر صادر بموجب المادة ٨(٤). تبيّنت المحكمة أيضًا أن بعض الإجراءات الداخلية للتّحديد قد اُنتهكت، مما يشكل انتهاكًا للمادة ٨ من الاتفاقية. مع ذلك، وبما أن المعلومات التي حصلت عليها الحكومة لم تستخدمها وكالة الاستخبارات البريطانيّة بأي شكل من الأشكال، قضت محكمة سلطات التّحقيق بأن المدّعي في هذه القضية لم يثبت أي ضرر مادي. ولذلك لم يتمّ الحكم بأيّ تعويض للمدّعي.

ب‌) فيما يتعلّق بالمادّة ٨(٤)

في هذا الصدد، رأت محكمة سلطات التّحقيق أن الضمانات والإجراءات المنصوص عليها في المادة ٨(٤) من قانون تنظيم سلطات التّحقيق في المملكة المتّحدة مبررة بموجب الاتفاقية.

بما أن محكمة سلطات التّحقيق رفضت جزئيًا الشّكاوى التي تقدّم بها المدّعون، تقدّم المدّعون أيضًا بشكوى لدى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بشأن توافق أنظمة المراقبة والاستخبارات الثلاثة في المملكة المتحدة (نظام التنصّت الجماعي، ونظام تبادل المعلومات الاستخباراتية الذي يعمل بالتعاون مع الحكومات الأجنبية ونظام الحصول على بيانات الاتصالات من مقدمي خدمات الاتصالات) مع المادتين ٨ و١٠ من الاتفاقية. وفيما يتعلق بالمادة ٨، احتج المدعون بأن التنصّت الجماعي ليس ضروريًا ولا متناسبًا عملًا بالمادة ٨ من الاتفاقية، ومن ثم فإنه يقع خارج هامش تقدير الدولة. عليه، جادل المدعون أيضًا بأن الاتصالات المميزة للمنظمات غير الحكومية محمية بموجب المادة ١٠ من الاتفاقية.


نظرة على القرار

أوّلًا وقبل كلّ شيء، أبرزت الدائرة الكبرى نقطتين قبل الشروع في تحليل الأسس الموضوعية: (أ) أنه يجب عليها أن تقصر نظرها على القانون المعمول به في التاريخ الذي نظرت فيه المحكمة في مقبولية الشكاوى؛ أي أنه يجب عليها دراسة القانون دون اعتبار التعديلات التي أدخلت عليه بعد نوفمبر ٢٠١٧؛ و(ب) أنه لن يتمّ الطّعن في قرار الدائرة، لا من جانب المدّعين و لا من جانب الحكومة، باعتبار أنّ قانون تنظيم سلطات التّحقيق هو وسيلة انتصاف فعالة (بعد عدم اعتبارها من سبل الانتصاف الفعّالة في السوابق القضائية الأخرى) مما يعني أن المدّعين في قضيّة الحال استنفدوا سبل الانتصاف المحليّة وفقا للمادّة ٣٥(١) من الاتّفاقيّة.

المادّة ٨ من الاتّفاقيّة

المادّة ٨(٤) نظام التنصّت الجماعي على الاتّصالات

فيما يتعلق بالمادة ٨ من الاتفاقية، اشتكى المدعون في القضايا الثلاث التي تمّ ضمّها من أن نظام التنصّت الجماعي لا يتوافق مع حقّهم في الخصوصية. لتحديد ما إذا كان التنصّت الجماعي على الاتّصالات يتطابق مع المادة ٨ من الاتفاقية، حددت الدائرة الكبرى “ست ضمانات دنيا” يجب أن تتوفّر لضمان الحق في الخصوصية والتمتع به عند تنفيذ برامج المراقبة الإلكترونية: “(١) طبيعة الجرائم التي قد تؤدي إلى إصدار أمر بالتنصّت، (٢) تحديد أصناف الأشخاص الذين قد تتعرّض اتصالاتهم للتنصّت، (٣) تحديد مدّة التنصّت، (٤) الإجراء الواجب اتباعه لفحص واستخدام وتخزين البيانات التي تم الحصول عليها، (٥) الاحتياطات الواجب اتخاذها عند تسليم البيانات إلى أطراف أخرى، و(٦) الظروف التي يجوز فيها أو يجب فيها محو البيانات المعترضة أو إتلافها.” [الفقرة ٢٧٤] وهي ضمانات “تطبّقها المحكمة بصورة روتينية في سوابقها القضائية المتعلقة بالتنصّت على الاتصالات وفي قضيتين بالتّحديد تتعلقان بالتنصّت الجماعي على الاتصالات.” [الفقرة ٢٧٤]. القضيتان هما بالتّحديد فيبر وسارافيا ضد ألمانيا وليبرتي وآخرون ضد المملكة المتحدة. غير أن الدائرة الكبرى، في قضيّة الحال، كيفت هذه الضمانات مع ظروف الفحص لتحديد ما إذا كان نظام التنصّت الجماعي يقع ضمن هامش تقدير الدول. وفقًا لتكييف “ضمانات فيبر الستة” الذي أجرته الدائرة الكبرى، ينبغي على القضاة تحديد ما إذا كان الإطار القانوني المحلي بشأن التنصّت الجماعي يضبط بوضوح: (١) الأسباب التي يمكن على أساسها الإذن بالتنصّت الجماعي؛ (٢) الظّروف التي يجوز فيها التنصّت على اتّصالات الأفراد؛ (٣) الاجراء الواجب اتّباعه لمنح الاذن؛ (٤) الإجراءات الواجب اتباعها لاختيار البيانات التي يتمّ اعتراضها وفحصها واستخدامها؛ (٥) الاحتياطات الواجب اتخاذها عند تسليم البيانات إلى أطراف أخرى؛ (٦) القيود المفروضة على مدة التنصّت وتخزين البيانات المعترضة والظروف التي يجب فيها محو تلك البيانات و إتلافها؛ (٧) إجراءات وطرق إشراف سلطة مستقلة على الامتثال للضمانات المذكورة أعلاه و الصّلاحيّات المخوّلة لها في حالات عدم الامتثال؛ (٨) إجراءات الاستعراض المستقل بأثر رجعي لهذا الامتثال والصلاحيات المخولة للهيئة المختصة في معالجة حالات عدم الامتثال.” [الفقرة ٣٦١]

على ضوء ما سبق، اشارت الدائرة إلى أن قدرة الدول على تنفيذ نظام تنصّت جماعي تقع من حيث المبدأ ضمن هامش تقديرها عملًا بالاتفاقية والسوابق القضائية بشأن هذه المسألة. وعليه، حللت الدائرة الكبرى كيفية تداخل نظام التنصّت الجماعي مع المادة ٨ من الاتفاقية، ولا سيما عند استنفاد كل مرحلة من مراحل عملية التنصّت الجماعي. ساعد هذا التحليل الدائرة الكبرى على فهم أن التداخل في المادة ٨ من الاتفاقية يزداد مع استنفاد كل مرحلة من المراحل الأربع. المراحل الأربع هي التّالية:” (أ) اعتراض الاتصالات وبيانات الاتصالات ذات الصلة والاحتفاظ بها في البداية (أي بيانات الحركة التي تخص الاتصالات المعترضة)؛ (ب) تطبيق محددات مضبوطة على الاتصالات المحتفظ بها / بيانات الاتصالات ذات الصلة؛ (ج) فحص الاتصالات المختارة / بيانات الاتصالات ذات الصلة من قبل المحللين؛ (د) الاحتفاظ اللاحق بالبيانات واستخدام “المنتج النهائي”، بما في ذلك تقاسم البيانات مع أطراف ثالثة.” [الفقرة ٣٢٥]

في حين أقرّت الدائرة الكبرى ” بالأهمية الحيويّة للتنصّت الجماعي بالنّسبة للدّول الموقّعة على الاتفاقية في تحديد التهديدات لأمنها الوطني”، فقد حددت ثلاثة مجالات مثيرة للقلق تتعلق بتنفيذ المادة ٨(٤) من قانون تنظيم سلطات التّحقيق: أولًا، عدم وجود إذن وإشراف مستقلّ على العملية، ولا سيما “عدم إخضاع المحدّدات المتّصلة بشخص ما لإذن داخلي مسبق”؛ ثانيًا، عدم تضمين أي فئة من المحدّدات المستخدمة في عمليّات البحث في طلبات الحصول على أمر قضائي و عدم الموافقة عليها قبل استعمالها؛ و ثالثًا، عدم وجود أي ضمانات كافية تنطبق على البحث و فحص بيانات الاتصالات ذات الصلة. [الفقرتان ٢٢٤-٢٢٥] أقرّت الدائرة الكبرى أيضًا بصعوبة تقييم برامج التنصّت الجماعي لأغراض “المراقبة التي لا تستهدف الأفراد مباشرة ممّا يمكّنها من نطاق واسع، داخل وخارج اراضي الدولة التي تقوم بالتنصّت. ولذلك تكتسي الضمانات أهميّة بالغة رغم صعوبة تحقيقها.” [الفقرة ٣٢٢]

في هذا الصدد، قضت الدائرة الكبرى بأن نقاط الضعف المبيّنة جعلت من المستحيل على المملكة المتحدة الوفاء بالتزاماتها بموجب المادة ٨ من الاتفاقية، ولا سيما تقنين “الضمانات الدنيا الستة” المشار إليها أعلاه. من ثم، وعلى الرغم من التوضيحات التي قدمها المفوض المعني بالتنصت على الاتصالات وسبل الانتصاف القضائية التي توفّرها محكمة سلطات التّحقيق لأي شخص يعتبر أنّه قد تمّ التعدّي على حقوقه بسبب نظام التنصّت الجماعي، تبيّن أن التدابير التي اعتمدتها المملكة المتحدة، في قضيّة الحال، غير كافية لتدارك أوجه القصور المذكورة أعلاه. بالتالي، فإن نظام التنصّت الجماعي المنصوص عليه في المادة ٨(٤) من قانون تنظيم سلطات التحقيق لم ينجح ” في حصر “التدخل” في المستوى “الضروري في مجتمع ديمقراطي”، مما أدى إلى انتهاك المادة ٨ من الاتفاقية. [الفقرة ٢٧٦]

النظام الخاصّ بتلقي البيانات المعترضة من أجهزة استخبارات أجنبيّة

في أولى القضايا التي تمّ ضمّها، سلط المدعون الضوء على تلقي سلطات المملكة المتحدة بيانات سرية تم اعتراضها من دوائر استخبارات أجنبية. اشتكى المدعون في القضية الثالثة على نحو أكثر تحديدًا من أن تلقي البيانات السرية التي اعترضتها وكالة الأمن الوطني الأمريكيّة في إطار برنامجي PRISM و Upstream يعرض للخطر المسؤولية الدولية للمملكة المتحدة وفقًا للمادة ٨ من الاتفاقية. لكن لدائرة، قبل الشروع في تحليل الأسس الموضوعية، أشارت إلى أن نظرها في الأسس الموضوعية سيقتصر على الشكاوى المتعلقة بتلقي “البيانات المعترضة التي تمّ طلب الحصول عليها ” من وكالة الأمن الوطني، مما يستبعد أي نظر في البيانات المسلّمة تلقائيًّا (اختار الطّرف المعني تسليمها) من جانب الحكومات الأجنبية.

لتحديد ما إذا كانت المملكة المتحدة قد انتهكت المادة ٨ من خلال تبادل وتلقي المعلومات الاستخبارية التي اعترضتها أجهزة الاستخبارات الأجنبية، طبقت الدائرة صيغة معدلة أو مكيفة من الضمانات الدنيا الستة المعتمدة عند النظر في نظام المادة ٨(٤). في هذا الصدد، قيمت الدائرة أولًا ما إذا كانت الظروف التي يمكن فيها للمملكة المتحدة أن تطلب معلومات استخباراتية محدودة على النحو الواجب ومحددة صراحة بموجب القانون لمنع السلطات من التهرب من مسؤولياتها الدولية والمحلية. ثم طبقت الدائرة “الضمانات الدنيا” الأربعة الأخيرة لمعالجة البيانات التي تم اعتراضها بعد أن تسلّمتها أجهزة الاستخبارات في المملكة المتحدة.

بالنظر إلى ما سبق، لاحظت الدائرة أن القانون المحلي، إلى جانب التحسينات التي أضيفت عند تعديل مدوّنة السّلوك المتعلّقة بالتنصّت على الاتّصالات، كان واضحًا بما فيه الكفاية في تحديد الإجراء المنظّم لطلب الحصول على معلومات سرية من أجهزة الاستخبارات الأجنبية. كما لم تجد الدائرة أي دليل على وجود أخطاء جسيمة في تنفيذ هذا النظام. ومن ثم، رأت الدائرة أنه لا يوجد انتهاك للمادة ٨ من الاتفاقية فيما يتعلّق بنظام تلقّي معلومات أو بيانات تم جمعها من حكومات أجنبية.

نظام اقتناء بيانات الاتّصالات من مزوّدي خدمات الاتّصالات بمقتضى الباب الثاني من قانون تنظيم سلطات التحقيق في المملكة المتحدة

في القضيّة الثانية من القضايا التي تمّ ضمّها، جادل المدعون بأن الحصول على بيانات الاتّصالات لدى مزوّدي خدمات الاتّصالات يتضارب مع حقوقهم بموجب المادة ٨ من الاتفاقية. لمزيد تحليل هذه المسألة، رأت الدائرة أن أي نظام يسمح للسلطات بالنّفاذ إلى البيانات التي يحصل عليها مزوّدو خدمات الاتصالات ينبغي أن يكون في إطار إذن مسبق صادر عن هيئة قضائية مستقلة لمنع ارتكاب “جريمة خطيرة”. مع مراعاة قرار محكمة العدل الأوروبيّة الذي ينص على أن أحكام قانون تنظيم سلطات التّحقيق في المملكة المتّحدة التي تنظم الاحتفاظ ببيانات الاتصالات المستلمة التي يتمّ الحصول عليها لدى مزوّدي خدمات الاتّصالات تتعارض مع قانون الاتحاد الأوروبي. خلصت الدائرة الكبرى إلى أن النظام الذي يمكّن السلطات الوطنية من النّفاذ إلى البيانات التي يحتفظ بها مزوّدو خدمات الاتّصالات يتضمّن انتهاكا للحق في الخصوصية. في قضيّة الحال، رأت الدائرة الكبرى أن الاطلاع على البيانات السرية لم يخضع لإذن مسبق من هيئة قضائية، كما أنه لم يكن يسعى حصريًّا لمكافحة جرائم خطيرة ممّا أدّى إلى انتهاك المادة ٨.

المادّة 10 من الاتّفاقيّة

نظام التنصّت الجماعي على الاتّصالات بمقتضى المادّة ٨(٤)

في القضيّتين الثانية والثالثة من القضايا التي تمّ ضمّها (رقم ٦٢٣٢٢/١٤ ورقم ٢٤٩٦٠/١٥) ادعى الملتمسون أن المادة ٨(٤) تنتهك المادة ١٠ من الاتفاقية لأنها تقيد حرية التعبير لكل من الصحفيين والمنظمات غير الحكومية. مع ذلك، وبما أن الدائرة أعلنت أن الشكوى الثالثة غير مقبولة لعدم استنفاد سبل الانتصاف القضائية المحلية، لم يتمّ النّظر في الانتهاك المزعوم للمادة ١٠ سوى في إطار الشكوى المقدمة من مكتب الصحافة الاستقصائية وأليس روس فيما يتعلق بحق الصحفيين في حرية التعبير والرأي.

اعتبرت الدائرة الكبرى أنّ برامج المراقبة الشّاملة بمقتضى المادة ٨(٤) من قانون تنظيم سلطات التّحقيق لم تكن تهدف إلى الوصول إلى المصادر الصحفية ولا مراقبة تحقيقات الصحفيين، مما يعني من حيث المبدأ، أن هذا النّظام لا يتعارض مع إعمال الحق في حرية التعبير. فعلى سبيل المثال، كان من الممكن أن تصل أجهزة الاستخبارات إلى المادّة الصحفية السرية بالاستخدام المتعمّد لكلمات مفتاحية توجّهها نحو الصحفيين أو وكالات الأنباء بموجب نظام التنصّت الجماعي. في هذه الحالة، لا يمكن منح حق النّفاذ إلى المعلومات الشخصية إلا بعد استنفاد الضمانات القانونية المطلوبة التي حدّدتها المحكمة وتبررها المصلحة العامة العليا. بخلاف ذلك، وبدون أي احتياط أو ترتيب يحد من قدرة الدولة الطرف على النفاذ إلى المحتويات الصحفية السرية، لا شكّ في وجود انتهاك للمادة ١٠ من الاتفاقية.

طبقًا للمادة ٨(٤) من قانون تنظيم سلطات التّحقيق، يمكن أيضًا للسلطات الوطنية النّفاذ إلى المحتويات الصحفية السرية دون قصد في إطار عملية تنصّت جماعي يتمّ خلالها تجميع المعلومات بشكل عشوائي. في هذه الحالة، لا يمكن التنبؤ بالنّفاذ إلى المحتوى الصحفي في البداية. بالتالي، ليس من الممكن أن تشارك محكمة مستقلّة منذ مرحلة مبكّرة من العمليّة. مع ذلك، وفي حالة اعتراض معلومات صحفية سرية، يجب على المحلل طلب إذن قضائي قبل تخزين أو فحص تلك المادّة. لا تمنح الموافقة في هذه الحالة سوى عندما تكون المصلحة العامّة مهدّدة.

لذلك، وبما أنّ المملكة المتحدة تمكّنت من النّفاذ إلى المحتويات الصحفية السرية وفحصها مبرّرة ذلك فقط “بالحفاظ على المصلحة العامّة العليا” دون تحديد (أ) قيد للفترة التي يمكن فيها للسّلطات الوطنيّة النّفاذ إلى تلك الاتّصالات وفحصها أو (ب) تدابير كافية لضمان حماية المحتويات الصحفية السرية، رأت الدّائرة أن انتهاكًا للمادة ١٠ من الاتفاقية قد ارتكب بموجب المادّة ٩(٤) من قانون تنظيم سلطات التّحقيق.

النظام الخاصّ بتلقي البيانات المعترضة من أجهزة استخبارات أجنبيّة

في هذا الصدد، أشارت الدائرة إلى أنه لم يتمّ قبول الدّعوى الثالثة لعدم استنفاد سبل الانتصاف المتاحة محليّا. بناءً على ذلك، لم تنظر الدائرة في هذه الشكوى.

من ناحية أخرى، وفي القضية الثالثة من القضايا التي تمّ ضمّها، طعن المدّعون في توافق نظام تبادل المعلومات الاستخبارية مع المادة ١٠ من الاتفاقية. لكن ورغم تقديم هذه الحجة في الوقت المناسب أمام محكمة سلطات التّحقيق، رأت الدّائرة أن هذه الشكوى لا تختلف عن الشكوى التي تقدّم بها المدّعي بموجب المادة ٨ من الاتفاقية، والتي سبق بحثها أعلاه. وعليه، لم تجد الدائرة أي انتهاك للمادة ١٠ في هذا الشّأن.
نظام اقتناء بيانات الاتّصالات من مزوّدي خدمات الاتّصالات بمقتضى الباب الثاني من قانون تنظيم سلطات التحقيق في المملكة المتحدة
في القضيّة الثانية من القضايا التي تمّ ضمّها، تقدّم المّدعون بشكوى أيضًا فيما يتعلّق بتوافق نظام اقتناء بيانات الاتّصالات من مزوّدي خدمات الاتّصالات مع المادة ١٠ من الاتفاقية.

قبل النطق بالحكم، أقرت الدائرة بأن النظام الوارد في الباب الثاني يوفر حماية معززة عندما يكون النّفاذ إلى البيانات يهدف إلى تحديد مصادر الصحفي. لكن هذه الحماية لا تنطبق إلا عندما يكون طلب الحصول على بيانات الاتصالات يهدف إلى تحديد مصدر الصحفي، وفي هذه الحالة يتعين تقديم طلب للحصول على موافقة لدى محكمة وطنية، تبرره الحاجة للحفاظ على المصلحة العامة العليا، وطبقًا للإجراءات المنصوص عليها في قانون الشرطة والأدلة الجنائية لسنة ١٩٨٤. هذا يعني أن أيّ معلومات صحفيّة سريّة، غير مصادر الصحفيّ، ليست محمية على النحو الواجب بمقتضى التشريعات المحلية. كما أنّ القوانين الوطنيّة تفتقر إلى أحكام خاصّة بتقييد النّفاذ إلى بيانات اتصالات الصحفي بغرض مكافحة “الجرائم الخطيرة”. بناءً على ذلك، رأت الدائرة أن نظام الباب الثاني ينتهك المادة ١٠ من الاتفاقية لأنه لا يوفر حماية قانونية كافية سوى للبيانات التي تحتوي على مصادر الصحفي.

الرأي المؤيّد جزئيًّا للقضاة ليمنس وفيهابوفيتش وبوشنياك

في قضية الحال، وافق القضاة ليمنس وفيهابوفيتش وبوشنياك على رأي الأغلبية بشأن معظم التهم. لكنهم صوتوا ضد قرار الأغلبية الذي لم يجد أي انتهاك للمادتين ٨ و١٠ من الاتفاقية عند تقييم نظام تبادل المعلومات الاستخباراتية. كما اعتبر القضاة ليمنس وفيهابوفيتش وبوشنياك أنّ هذه القضية تمثّل فرصة هامّة للمحكمة لإبراز أهمية الحياة الخاصة في المسائل المتعلقة بتنفيذ برامج المراقبة الإلكترونية الشّاملة.

فيما يتعلق بالجزء المخالف من رأيهم، خلص القضاة ليمنس وفيهابوفيتش وبوشنياك إلى أن برامج المراقبة الشّاملة تتداخل مع حق الأفراد في الخصوصية مما يقيد في ذات الوقت إعمال حقوق الإنسان الأخرى مثل حرية التجمّع وحرية التعبير. على سبيل المثال، جادل القضاة ليمنس وفيهابوفيتش وبوشنياك بأنه لو علم الأفراد أن السلطات ترصدهم باستمرار، فسيفكّرون قبل التعبير عن آرائهم السياسية وسيتوخّون المزيد من الحذر عند ممارسة حقوقهم الإنسانية.

أشار القضاة ليمنس وفيهابوفيتش وبوشنياك، على سبيل المثال، إلى غياب الشفافيّة في الشّرح الذي قدّمته الحكومة بشأن المعايير التي تعتمدها لتحديد الاتّصالات التي يتمّ الاحتفاظ بها وتلك التي يتمّ التخلص منها. وفقًا للقضاة ليمنس وفيهابوفيتش وبوشنياك، ينبغي أن تشكّل السلطات التقديرية الموسّعة التي تتمتع بها الحكومة لتحديد عملية الاختيار فيما يتعلّق بفحص وتحليل البيانات والمحتويات التي يتمّ اعتراضها، مصدر قلق للمجتمع الدولي.

بالإضافة إلى ذلك، لاحظ القضاة ليمنس وفيهابوفيتش وبوشنياك بعض أوجه الضعف في “الضمانات الدنيا الستة” التي اعتبرتها الدائرة الكبرى للحد من إمكانيّة إساءة استعمال السلطة من طرف الدّولة، مثل (أ) القدرة على إصلاح أي نقص في الامتثال في عملية التقييم الشّامل؛ (ب) عدم وجود حماية متينة للأفراد ضدّ التدخل غير المتناسب؛ و(ج) ضرورة إدراج تعريف لهذه الضمانات في القانون المحلي، بينما لا توجد أيّ معايير أو قيود دنيا في هذا الصدد. أشار القضاة ليمنس وفيهابوفيتش وبوشنياك أيضًا إلى أن تعريف “الأمن الوطني” الذي قدمه المفوض المعني بالتنصت على الاتصالات فضفاض للغاية؛ لذلك، فهو لم يستوف معيار إمكانية التوقّع. [الفقرة ١٤]

الرّأي المؤيّد جزئيًّا والمعارض جزئيًّا للقاضي بينتو دي ألبوكايرك

لم يوافق القاضي بينتو دي ألبوكارك على استنتاج الأغلبية بعدم وجود انتهاك للمادتين ٨ و١٠ فيما يتعلق بنظام تبادل المعلومات الاستخباراتية، أي التنصّت الجماعي الذي تقوم به وكالة الأمن الوطني من خلال برنامجي PRISM وUpstream. استند القاضي بينتو دي ألبوكايرك في رأيه، من ضمن عناصر أخرى، إلى مدى عدم فعالية برامج المراقبة الشّاملة في منع الأعمال الإرهابية وقال إن برامج المراقبة الشّاملة تشكل عبئًا غير ضروري على الأفراد وقيودًا غير متناسبة على الحق في الخصوصية وحرية التعبير. لذلك يعتبر أنّه من الأفضل بالنّسبة إلى الدّول الطّرف الاتّفاقيّة أن تستثمر مواردها في سبل أخرى لحماية الأمن الوطني.

كما احتجّ القاضي بينتو دي ألبوكايرك بأن المحكمة ليست لديها جميع الأدلة والمعلومات اللازمة لمعالجة القضية قيد النظر كما ينبغي. فعلى سبيل المثال، لم تشرح الحكومة للمحكمة نطاق وامتداد المحددات والكلمات المفتاحية المستخدمة في البحث عن المعلومات السرية. إضافة إلى ذلك، اعتبر القاضي بينتو دي ألبوكايرك أن المحكمة فوتت فرصة ثمينة لتضبط بوضوح الظروف التي يمكن فيها التنصّت على الاتصالات الخاصة. لكن، عندما لم تنظر المحكمة في هذه المسألة فهي قد سمحت بإسناد هذه المهمة إلى أطراف الاتّفاقيّة. لذلك، فهو يرى أن المحكمة لا يمكن أن تتوقع من الحكومة أن تدرج ضمانات قانونية واسعة وتعريفًا واضحًا للأسس التي يمكن اعتمادها للإذن بالاعتراض الجماعي، بما أنّ المحكمة لا تستطيع أن تفعل ذلك بنفسها.

أشار القاضي بينتو دي ألبوكايرك، في رأيه المؤيد جزئيًا والمعارض جزئيًا، إلى أن المحاكم العادية ينبغي أن تكون مختصة بالإشراف على التنصّت على الاتّصالات الخاصة في جميع عمليّات المراقبة الشّاملة. وقال بالتّحديد: ” ينبغي أن يمتد الأمر القضائي ليشمل الإذن بمراقبة الاتصالات أو بيانات الاتصالات ذات الصلة، بما في ذلك البيانات السرية والمميزة، باستثناء الحالات العاجلة عندما لا يكون القاضي المختص متاحًا على الفور، حيث يجوز الحصول على إذن من المدعي العام، على أن يحصل الاذن لاحقا على موافقة القاضي المختص.” [الفقرة ٢٤]

كما اقترح القاضي بينتو تنفيذ مبادئ توجيهية محددة وحماية المعلومات السرية التي يملكها بعض المهنيين مثل السياسيين والأطباء والمحامين والصحفيين. وأخيرًا، أيد القاضي بينتو الآراء المعارضة التي أبداها زملاؤه بشأن قرار المحكمة تيسير تبادل المعلومات السرية مع الحكومات الأجنبية لأن القضايا التي قدمت فيها حكومات أجنبية معلومات تلقائيًّا لم تنظر فيها المحكمة.

الرّأي المعارض جزئيّا للقضاة لمنس وفيهابوفيتش ورازوني وبوشنياك

كما لم يشاطر القضاة ليمنس وفيهابوفيتش ورانزوني وبوشنياك الأغلبية رأيها القائل بعدم وجود انتهاك للمادتين ٨ و١٠ من الاتفاقية بسبب نظام تبادل المعلومات الاستخباراتية الذي تنفذه سلطات الدولة المدعى عليها. حسب رأي القضاة ليمنس وفيهابوفيتش ورانزوني وبوشنياك يجب تطبيق نفس الضّمانات المعتمدة في نظام التنصّت الجماعي على نظام تبادل المعلومات الاستخباراتية واعتبروا أيضًا أنه لا ينبغي التّمييز على مستوى معالجة ومعاملة البيانات المعترضة، سواء طلبتها السلطات الوطنية أو تلقّتها دون أن تطلب ذلك.

كما قدّروا أن مفهوم “الضمانات الفعالة” لا يقتصر على وضع أحكام قانونية محلية صريحة، بل يتطلّب أيضا تعيين هيئة إدارية أو محكمة مستقلة قادرة على ضمان التنفيذ الملائم لهذه الأحكام القانونية عملًا بالمبادئ الأساسية للقانون.

أخيرًا، أشار القضاة ليمنس وفيهابوفيتش ورانزوني وبوشنياك إلى أن الأغلبية وافقت على أن طلبات تبادل المعلومات تستند إلى أوامر أذن بها وزير الخارجية؛ لكنّهم اعتبروا أن وزير الخارجية ليس “هيئة مستقلة”؛ وبذلك تكون الأوامر المستخدمة لهذه الأغراض قد صدرت عن “طرف معني بالعملية”، مما يؤدّي إلى انتهاك الالتزامات الدولية للطرف في الاتّفاقيّة.


اتجاه الحكم

معلومات سريعة

يشير اتجاه الحكم إلى ما إذا كان الأخير يُوسع من مدي التعبير أم يُضيقه بناءً على تحليل للقضية.

الحكم ذو نتيجة مُتباينة

يوسّع القرار نطاق حريّة التّعبير حيث رأت المحكمة أن بعض جوانب نظام المراقبة الشّاملة في المملكة المتحدة غير مناسبة مع معنى المادة ١٠ من الاتفاقية، ولا سيما النظام الوارد في المادّة ٨(٤) والنّظام الوارد في الباب الثاني، الذين تمت مناقشتهما سابقًا.

لكن كان بإمكان الدائرة أن تذهب إلى أبعد من ذلك في واجبها المتمثل في حماية حرية التعبير وتعزيزها. فعلى سبيل المثال، اعترفت الدائرة بأن النظام الذي تنصّ عليه المادة ٨(٤) يقع ضمن هامش تقدير الدول لأنه لا يستهدف الصحفيين عن قصد. بعبارة أخرى، ووفقًا لمعايير الدائرة الكبرى، تتوافق تدابير المراقبة الشّاملة عمومًا مع الاتفاقية طالما يتمّ اتخاذها حفاظًا على المصلحة العامّة العليا وطالما تقترن بالضمانات والأذون والترتيبات القانونية المطلوبة التي تحد من قدرة الدولة الطرف على النّفاذ إلى المحتويات المميّزة المتمتّعة بحصانة قانونيّة.

أشارت الدائرة كذلك إلى أن النّظام المذكور في الباب الثاني يوفر حماية معززة عندما يتمّ تجميع البيانات لتحديد مصدر الصحفي. لكن هذا يعني أن أي معلومات صحفية أخرى ليست محميّة طالما لا يتعلّق الأمر بالمصادر الصحفيّة. في قضيّة الحال، وبما أنه لا توجد أحكام محددة تقيد قدرة المملكة المتحدة على النّفاذ إلى المعلومات الصحفية عند مكافحة “الجرائم الخطيرة”، رأت الدائرة الكبرى أن نظام الباب الثاني لا يمتثل للمادة ١٠ من الاتفاقية.

بالنظر إلى ما تقدم، كان بإمكان الدائرة الكبرى أن تغتنم هذه الفرصة لتقديم مبادئ توجيهية أكثر تحديدًا وتفصيلًا بشأن الإجراءات التي يتعين على الدول الأطراف اتباعها لفحص المعلومات الخاصة وتخزينها والنّفاذ إليها. كما أتاحت هذه القضيّة فرصة مثالية لتحديد الاحتياطات والخطوات التي يجب على الدول اتخاذها عند تسليم البيانات إلى دول أخرى. غير أنّ الحكم سمح للدول الأطراف في الاتفاقية بأن تصمم بحرية نظمها القانونية المحلية في هذا الصدد.

خلصت المحكمة أيضًا إلى أنه لا يوجد أي انتهاك للمادة ١٠ من الاتفاقية في علاقة بنظام تبادل المعلومات الاستخباراتية، مما ترك الباب مفتوحًا لتبادل المعلومات الخاصة والسرية بين الدول الأطراف في الاتفاقية والبلدان الأخرى غير الخاضعة للقانون الأوروبي. كما التزمت المحكمة الصمت فيما يتعلّق بسبب المعاملة المختلفة للبيانات المعترضة عندما تطلبها الدولة. من هذا المنطلق، ينبغي توفير نفس مستوى الحماية للمعلومات والبيانات التي تطلبها أو تتلقاها الدولة بمساعدة دولة أجنبية.

أخيرًا، وضعت الدائرة الكبرى في قضيّة الحال معيارًا جديدًا تتبعه الدول الأطراف لضمان إعمال الحق في الخصوصية والتمتع به عند تنفيذ برامج المراقبة الإلكترونية، ولا سيما التنصّت الجماعي على الاتّصالات. هذا المعيار الجديد ، المصمم على أساس “ضمانات فيبر الستة”، يتطلّب من القضاة تقييم ما إذا كان الإطار القانوني المحلي بشأن التنصّت الجماعي يضبط بوضوح: “(١) الأسباب التي يمكن على أساسها الإذن بالتنصّت الجماعي؛ (٢) الظّروف التي يجوز فيها التنصّت على اتّصالات الأفراد؛ (٣) الاجراء الواجب اتّباعه لمنح الإذن؛ (٤) الإجراءات الواجب اتباعها لاختيار البيانات التي يتمّ اعتراضها وفحصها واستخدامها؛ (٥) الاحتياطات الواجب اتخاذها عند تسليم البيانات إلى أطراف أخرى؛ (٦) القيود المفروضة على مدة التنصّت وتخزين البيانات المعترضة والظروف التي يجب فيها محو تلك البيانات و إتلافها؛ (٧) إجراءات وطرق إشراف سلطة مستقلة على الامتثال للضمانات المذكورة أعلاه و الصّلاحيّات المخوّلة لها في حالات عدم الامتثال؛ (٨) إجراءات الاستعراض المستقل بأثر رجعي لهذا الامتثال والصلاحيات المخولة للهيئة المختصة في معالجة حالات عدم الامتثال.”

المنظور العالمي

معلومات سريعة

يوضح المنظور العالمي كيف تأثر قرار المحكمة بمعايير سواء من منطقة واحدة أو عدة مناطق.

جدول المراجع المستند اليها

القوانين الدولية و/أو الإقليمية ذات الصلة

معيار أو قانون أو فقه وطني

اهمية القضية

معلومات سريعة

تُشير أهمية هذه القضية إلى مدى تأثيرها وكيفية تغير مدى أهميتها بمرور الوقت.

يُنشئ القرار سابقة ملزمة أو مقنعة داخل نطاقه القضائي.

تمت الإشارة للحكم في:

وثائق القضية الرسمية

وثائق القضية الرسمية:


التقارير والتحليلات والمقالات الإخبارية:


المرفقات:

هل لديك تعليقات؟

أخبرنا إذا لاحظت وجود أخطاء أو إذا كان تحليل القضية يحتاج إلى مراجعة.

ارسل رأيك