الأمن القومي
سوريك وأوزديميرف ضد تركيا
تركيا
قضية مُنتهية الحكم ذو نتيجة مُتباينة
حرية التعبير العالمية هي مبادرة أكاديمية، ولذلك، نشجعك على مشاركة وإعادة نشر مقتطفات من محتوانا طالما لا يتم استخدامها لأغراض تجارية وتحترم السياسة التالية:
• يجب عليك الإشارة إلى مبادرة جامعة كولومبيا لحرية التعبير العالمية كمصدر.
• يجب عليك وضع رابط إلى العنوان الأصلي للتحليل القضائي أو المنشور أو التحديث أو المدونة أو الصفحة المرجعية للمحتوى القابل للتنزيل الذي تشير إليه.
معلومات الإسناد وحقوق النشر والترخيص لوسائل الإعلام المستخدمة من قبل مبادرة حرية التعبير العالمية متاحة على صفحة الإسناد الخاصة بنا.
هذه القضية متاحة بلغات إضافية: استعرضها بلغة أخرى: English
أبطلت المحكمة الدستورية في جورجيا حكم التجسس الذي يجرّم جمع ونقل أيّ معلومات متاحة للعموم إلى منظمة أجنبية بما يضرّ بمصالح جورجيا. تم رفع الدعوى من قبل نشطاء مدنيين وشخص مدان بتهمة التجسس احتجّ بأن التعريف القانوني للحكم المطعون فيه غير واضح ولا يمكّن بدقّة من استنتاج السلوك المحظور. قضت المحكمة الدستورية الجورجية بأن عبارة “منظمة أجنبية” الواردة في الحكم المتنازع بشأنه غامضة بشكل لا مبرر له وكان لها من ثمّة تأثير سلبيّ على حرية التعبير. بيد أن المحكمة أيدت الجزء من النصّ الذي يجرم جمع أو نقل المعلومات بناء على تعليمات من جهاز استخبارات لدولة أجنبية بما يضرّ بمصالح جورجيا واعتبرت أنّه حكم متناسب.
المدّعون الثلاث الأوائل هم ألكسندر براميدز، ناشط مدني و لاشا توقوشي، صحفي و فاكتنق كمالادزن محام كانوا قد رفعوا دعوى أمام المحكمة الدّستوريّة الجورجية بتاريخ ٥ أغسطس ٢٠١١ أمّا المدّعي الرّابع، ف.م الذي تمّت إدانته بالتجسس بموجب المادتين ٣١٤ (١) و (٢) من القانون الجنائي لجورجيا فقد رفع دعوى دستوريّة بتاريخ ١٨ سبتمبر ٢٠١٢.
احتجّ جميعهم بأن الجملة الهامّة التي تعرّف التجسس في المادة ٣١٤ (١) من القانون الجنائي لجورجيا هي جملة غامضة على نحو يتعارض مع الدّستور وينتهك حقهم في حرية التعبير. تمنع الجملة المتنازع بشأنها سلوكين مختلفين، هما (أ) “جمع أو نقل معلومات أخرى بناء على تعليمات من جهاز استخبارات لدولة أجنبيّة بما يضرّ بمصالح جورجيا؛ (ب) “جمع أو نقل معلومات أخرى بناء على تعليمات من منظمة أجنبية على نحو يلحق الضّرر بمصالح جورجيا “وتجدر الإشارة إلى أنّ مصطلح “معلومات أخرى” يشير إلى أي معلومات لا تمثّل سرا من أسرار الدولة.
أكد المدّعون على أن: (أ) عبارة “معلومات أخرى” فضفاضة بشكل لا مبرر له وتغطي عمليا أي معلومات مفتوحة بما في ذلك البيانات المتاحة للعموم وحتى الآراء الشخصية التي تعتبر أساسية لحريتهم في التعبير؛ (ب) عبارة “بما يضرّ بمصالح جورجيا” في الجملة المتنازع بشأنها غامضة لأن نقل المعلومات المفتوحة إلى منظمة أجنبية قد يكون بالفعل ضارا لجورجيا بطريقة ما لكن منع نقل مثل هذه المعلومات يشكّل عبثا قانونيّا ; ج) يمكن أن يشمل مصطلح “منظمة أجنبية” أي دولة أو منظمة خاصة مسجلة في الخارج دون أي نوايا خبيثة أو ارتباط، على سبيل المثال، بأجهزة استخبارات أجنبيّة.
وبناء على ذلك، اعتبر المدّعون أنّ ايّ شخص قد يواجه تهمة التجسّس إذا ما تولّى بطلب من منظمة أجنبية جمع أو نقل معلومات متاحة للجمهور بما يضرّ بمصالح جورجيا. كما أن حظر مثل هذا النشاط يشكّل حدّا لا مبرر له من حرية التعبير الشخصيّة ولا سيما بالنّسبة إلى الصحفيين الذين يتعاونون في العديد من المناسبات مع منظمات أجنبية ويمكنهم في إطار ذلك إرسال معلومات قد تضرّ بمصالح جورجيا. كما أكّد المدّعون على كون مجرّد تجميع المعلومات بطلب من جهاز استخبارات أجنبيّ أو منظّمة أجنبيّة يشكّل بعدُ جريمة تامّة المعالم تحد بلا مبرر من حرية الأشخاص في التّعبير. اتّفق المدعي عليه، برلمان جورجيا في قضيّة الحال، مع المدّعين معترفا بأن القانون لم يكن متوقعا بما فيه الكفاية وستتمّ مراجعته في المستقبل. لكن طبقا لقوانين المحكمة الدّستوريّة لا ينهي اعتراف الطّرف المدّعي عليه بعدم دستوريّة القانون بالضّرورة عمليّة الفصل الدّستوري ويخوّل للمحكمة أن تواصل تقييم دستوريّة النصّ المتنازع بشأنه والوصول إلى نتيجة وهو ما فعلته المحكمة الدّستوريّة في قضيّة الحال.
نطقت الهيئة الثانية للمحكمة الدستورية في جورجيا بتاريخ١٤ مايو ٢٠١٣ بالحكم الذي أصدرته المحكمة الدستوريّة.
كانت المسألة الأساسيّة المعروضة على المحكمة الدستورية لجورجيا تتمثّل فيما إذا كانت المسؤولية الجنائية عن جمع أو نقل المعلومات بطلب من جهاز استخبارات أجنبيّ أو منظّمة أجنبيّة بما يضرّ بمصالح جورجيا تنتهك حرية التعبير المنصوص عليها في المادة ٢٤ من الدستور الجورجي كما كان على المحكمة أن تتّخذ قرارا فيما إذا كان النصّ المطعون فيه غامضا على نحو غير مبرر.
تنصّ المادة ٢٤ (١) من الدستور الجورجي (١٩٩٥) على ما يلي: «لكل شخص حرية تلقي المعلومات ونشرها والتعبير عن رأيه ونشره شفويا أو خطيا أو غير ذلك”. وتسمح المادة ٢٤ (٤) بفرض قيود على حرية التعبير “بموجب القانون بالقدر اللازم في مجتمع ديمقراطي لضمان أمن الدولة أو سلامة أراضيها أو الأمن العام أو لمنع الجريمة وحماية حقوق الآخرين وكرامتهم أو لمنع الكشف عن المعلومات المعترف بكونها سريّة أو لضمان استقلال العدالة وحيادها”.
في البداية، أشارت المحكمة الدستورية إلى أن تلقي ونشر المعلومات بناء على مبادرة شخصيّة أو بناء على تعليمات صادرة عن أمر محمي بنفس القدر بموجب المادة ٢٤ من الدستور. وبالتالي، فإنّ تجريم جمع المعلومات ونقلها بناء على طلب من الغير يشكل تدخلا في حرية التعبير. بيد أنّ المحكمة ذكّرت بأنّ حرية التعبير ليست حقا مطلقا ويمكن بالتّالي إخضاعه لتقييدات تتناسب مع تحقيق الأغراض المشروعة التي ينص عليها الدستور.
كما أبرزت المحكمة أنه يجب على المشرّع توخي الحذر عند تقييد حرية التعبير لأن التّراتيب الغامضة قد يكون لها “مفعول سلبيّ” على الأفراد وعلى سلوكهم. وخشية من التعرّض للمساءلة قد يمتنع بعض الأشخاص عن ممارسة حريتهم في التعبير حتّى في المجالات التي لا يقيّدها القانون المعمول به وقد تتسبب التّراتيب الغامضة في إغلاق المجتمع الحر وفرض الرقابة الذاتية والمساس بحرية التعبير.
كما سبق ذكره أعلاه، يمنع القانون موضوع النّزاع سلوكين مختلفين هما “جمع أو نقل معلومات أخرى بناء على تعليمات من جهاز استخبارات في دولة أجنبية بما يضرّ بمصالح جورجيا؛ (ب) “جمع أو نقل معلومات أخرى بناء على تعليمات من منظمة أجنبية على نحو يلحق الضّرر بمصالح جورجيا ” وقد ارتأت المحكمة تقييم دستورية كلّ منهما على حدة.
اشارت المحكمة إلى أن نشاط جهاز استخبارات ايّ بلد أجنبيّ يشكل خطرا على الأمن الوطني وقالت انّ المصالح المختصّة هي أداة تستخدمها الدّولة للتأثير على دولة أخرى والاستفادة منها وترتبط كفاءة أي جهاز استخباراتيّ إلى حد كبير بالدراسة الشاملة والمعقدة للدولة وتوفير أي معلومات حتّى التّافهة من بينها إلى تلك المصالح يساعدها على تحقيق أهدافها ويضر بمصالح جورجيا. واشارت المحكمة أيضا إلى أن اعتماد أي وسائل أقل تقييدا على غرار صياغة أحكام القانون على نحو أضيق من شأنه أن يمنح جهاز الاستخبارات الأجنبي حريّة التصرّف ويضر بمصالح جورجيا.
أضافت المحكمة أن التقييد قيد النظر ليس غامضا وليس له تأثير سلبيّ على حرية التعبير لأن المادة ٣١٤ من القانون الجنائي تنصّ بوضوح على أن جمع ونقل المعلومات بناء على تعليمات من جهاز استخبارات لدولة أجنبية يشكّل جريمة يعاقب عليها القانون. استخدم النصّ مصطلحات ” التعليمات “و” جهاز المخابرات لبلد أجنبي ” و” الجمع والنقل ” بالقدر الكافي من الوضوح باعتبار أنّ هذه الجريمة لا يمكن أن يعاقب عليها القانون سوى عند ارتكابها عمدا. فعلى سبيل المثال، عندما يكون الشّخص خالي الذّهن من نقله لمعلومات إلى جهاز استخبارات أجنبيّ لا يمكن أن توجّه له تهمة على معنى القانون المتنازع بشأنه. وعلاوة على ذلك، لا خشية من أن يمنع حظر التعاون مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية أي شخص من التعاون مع أي منظمات أخرى. نتيجة لذلك، رأت المحكمة الدستورية أن التقييد المتنازع بشأنه متناسب وليس له تأثير سلبيّ على حرية التعبير. إثرها مرّت المحكمة إلى مسألة ما إذا كان ” جمع أو نقل معلومات أخرى بناء على تعليمات من منظمة أجنبية على نحو يلحق الضّرر بمصالح جورجيا” يستجيب إلى المعايير الدستورية المنصوص عليها في المادة ٢٤ من الدستور.
على عكس التّعاون مع جهاز مخابرات لدولة أجنبيّة، اعتبرت المحكمة أن نقل معلومات حول جورجيا إلى منظمة أجنبية لا يمكن أن يعتبر تهديدا لأمن الدولة وقالت إن عبارة” على نحو يلحق الضّرر بمصالح جورجيا ” الواردة في النصّ موضوع الدّعوى تحمل معنى مختلفا أي أنّه لا يمكن توجيه تهم لأي شخص يجمع وينقل المعلومات بناء على تعليمات منظّمة أجنبيّة ما لم يكن ذلك التّعاون مضرّا بجورجيا.
ابرزت المحكمة في الوقت ذاته أن مصطلح “منظمة أجنبية” لا يمكن تفسيره للتّغطية على المنظمات ذات الصّلة بجهاز استخبارات لبلد أجنبي أو للتصرّف بناء على تعليمات منها أو لاستخدام المنظّمة الأجنبيّة للتخفّي وراءها. في هذه الحالة، يصبح نقل المعلومات إلى هذه المنظمة عمليا مساويا لنقل المعلومات إلى جهاز الاستخبار. لذلك، يجرّم النصّ موضوع النّزاع التعاون مع منظمة أجنبية غير مرتبطة بجهاز استخبارات أجنبي لكن قد تكون مضرّة بالمصالح الوطنية.
أبرزت المحكمة أن جمع المعلومات أو نقلها بناء على تعليمات منظمة أجنبية قد يوفر في بعض الحالات أسبابا معقولة للتجريم. فعلى سبيل المثال يمكن لبعض الجهات الفاعلة من غير الدول والمنظمات الإرهابية والحركات الانفصالية للدول غير المعترف بها وغيرها من الميليشيات غير القانونية أن تشكّل تهديدا من نفس الدّرجة أو حتّى تهديدا أكبر لأمن الدولة مقارنة بالدول المتنافسة.
بيد أن النصّ موضوع النّزاع لم يحدد الخصائص التي تتّسم بها “المنظمة الأجنبية” وترك المجال مفتوحا لتفسير المحاكم والأفراد. وبعبارة أخرى، ترك المشرع للمحاكم ولعامّة النّاس المجال للتّحديد في كلّ حالة ما إذا كان التعاون مع منظمة أجنبية أو منظمة أخرى يستوجب العقاب بموجب النصّ المتنازع بشأنه. في قضيّة الحال، إذا ما افترض شخص ما أن جمع أو نقل المعلومات إلى منظمة أجنبية يضر بجورجيا (بينما هي لا تلحق ايّ ضرر) فقد يمتنع عن التعاون مع تلك المنظّمة ويرفض ممارسة حقّه في حريّة التّعبير خشية التعرّض للمساءلة. لذلك، قرّرت المحكمة الدستورية أن النصّ المتنازع بشأنه له أثر سلبيّ على حرية التعبير واعتبرته غير دستوري.
يشير اتجاه الحكم إلى ما إذا كان الأخير يُوسع من مدي التعبير أم يُضيقه بناءً على تحليل للقضية.
هذا الحكم له نتيجة متباينة فهو من ناحية يوسع نطاق حماية حرية التعبير لأنه ألغى العقوبة الجنائية على التجسس عندما تكون معالم الجريمة غير واضحة اعتبارا لما لها من
“تأثير سلبيّ” على حرية التعبير. ويحدّ الحكم من ناحية أخرى من حرية التعبير حيث يعتبر دستوريّا توجيه تهمة التجسّس لمن يجمع و/أو ينقل معلومات إلى أجهزة استخبارات الدّول الأجنبيّة. وقد أكّدت المحكمة على أن التعاون مع أجهزة الاستخبارات الأجنبيّة يشكل مخاطر حقيقيّة لأمن الدولة، وأن العقوبة المنصوص عليها لذلك تتناسب مع الجريمة كما أنّ صياغتها واضحة بما فيه الكفاية.
يوضح المنظور العالمي كيف تأثر قرار المحكمة بمعايير سواء من منطقة واحدة أو عدة مناطق.
Freedom of opinion and expression (older version)
تُشير أهمية هذه القضية إلى مدى تأثيرها وكيفية تغير مدى أهميتها بمرور الوقت.