التشهير / السمعة, التعبير السياسي
لينغنس ضد النمسا
النمسا
قضية مُنتهية الحكم يُعزز من حُرية التعبير
حرية التعبير العالمية هي مبادرة أكاديمية، ولذلك، نشجعك على مشاركة وإعادة نشر مقتطفات من محتوانا طالما لا يتم استخدامها لأغراض تجارية وتحترم السياسة التالية:
• يجب عليك الإشارة إلى مبادرة جامعة كولومبيا لحرية التعبير العالمية كمصدر.
• يجب عليك وضع رابط إلى العنوان الأصلي للتحليل القضائي أو المنشور أو التحديث أو المدونة أو الصفحة المرجعية للمحتوى القابل للتنزيل الذي تشير إليه.
معلومات الإسناد وحقوق النشر والترخيص لوسائل الإعلام المستخدمة من قبل مبادرة حرية التعبير العالمية متاحة على صفحة الإسناد الخاصة بنا.
هذه القضية متاحة بلغات إضافية: استعرضها بلغة أخرى: English
أقرّت محكمة التّعقيب بتونس تبرئة ن.ف من تهمة نشر أخبار زائفة من شأنها تهديد صفو الأمن العام. كانت ن. ف قد نشرت بتاريخ ٢٣ نوفمبر ٢٠١٤ الموافق ليوم الانتخابات الرئاسيّة تدوينة على فيسبوك ادّعت فيها احتمال تزييف الانتخابات وحذّرت بانّ ذلك قد يؤدّي إلى إراقة الدّماء وإلى اندلاع أعمال عنف. بعد تلقّيها العديد من الإجابات النّاقدة نشرت اعتذارًا وسحبت التّدوينة. بناء على تحقيق رسميّ في الغرض وُجّهت لها تهمة “نشر أخبار زائفة من شأنها أن تهدّد صفو الأمن العام” بموجب المادّة ٥٤ من المرسوم عدد ١١٥ لسنة ٢٠١١ المتعلّق بحريّة الصّحافة الطّباعة والنّشر. رأت محكمة التّعقيب أنّ محكمة الاستئناف طبّقت القانون على نحو صحيح لتقرّ بأنّ شبكات التّواصل الاجتماعي لا تمثّل وسيلة إعلام الكترونيّ طبقًا لمعنى المادّة ٥٤ من المرسوم عدد ١١٥ لسنة ٢٠١١ وأنّ حذف التّدوينة موضوع القضيّة ينفي القصد الجنائي المطلوب لإقامة الدّعوى. أكّدت المحكمة تبرئة ن. ف ورفضت طلب الادعاء نقض قرار محكمة الاستئناف.
يوم ٢٣ نوفمبر ٢٠١٤، تاريخ الانتخابات الرئاسيّة التّونسيّة، نشرت تونسيّة تدعى ن. ف تدوينة على صفحتها في الفيسبوك ادّعت فيها أنّ الانتخابات قد تكون مزوّرة وحذّرت من أنّه في حالة فوز رئيس الجمهوريّة الرّاحل الذي كان آن ذاك مترشّحا للانتخابات (يعتبر من أزلام الأنظمة التّونسيّة القديمة المتعاقبة) قد تُراق الدّماء مع اندلاع أعمال عنف عقب التّصويت وقالت أنّها تدعو اللّه ليوفّق منافسه (ص.٢).
إثر نشرها لتلك التّدوينة، تلقّت ن. ف العديد من التّعاليق السلبيّة تحتوي على شتائم ونقد لتدوينتها ممّا جعلها تحذفها وتنشر اعتذارًا شرحت فيه أنّ تدوينتها لم تفهم على الوجه الصّحيح.
أذن وكيل الجمهوريّة لدى الدّائرة الجنائيّة بالمحكمة الابتدائيّة بفتح تحقيق في التّدوينة التي نشرتها ن. ف وذلك بتاريخ ٢٦ نوفمبر ٢٠١٤ تعهّد بها أعوان فرقة مقاومة الاجرام بتونس وأصدروا بشأنها التّقرير عدد ٢٣٢٣ المؤرّخ في ٢٦ نوفمبر ٢٠١٤ الذي احتوى على دلائل تسمح بتوجيه تهمة “نشر أخبار زائفة من شأنها أن تهدّد الأمن العامّ” ضدّ المدعوّة ن. ف بموجب المادّة ٥٤ من المرسوم عدد ١١٥ لسنة ٢٠١١ المتعلّق بحريّة الصّحافة الطّباعة والنّشر.
تنص المادة سالفة الذكر على ما يلي: ” يعاقب بخطية من ألفي إلى خمسة آلاف دينار كل من يتعمد بالوسائل المذكورة بالفصل ٥٠ من هذا المرسوم نشر أخبار زائفة من شأنها أن تنال من صفو النظام العام.”
أمّا الفصل ٥٠ فهو ينصّ على ما يلي: ” يعاقب كمشاركين في ارتكاب ما يمكن أن يوصف بجنحة على معنى الفصل ٥١ وما بعده من هذا المرسوم كل من يحرّض مباشرة شخصا أو عدّة أشخاص على ارتكاب ما ذكر ممّا يكون متبوعا بفعل وذلك إما بواسطة الخطب أو الأقوال أو التهديد في الأماكن العمومية وإما بواسطة المطبوعات أو الصور أو المنقوشات أو الرموز أو بأي شكل من الأشكال المكتوبة أو المصورة المعروضة للبيع أو لنظر العموم في الأماكن العمومية أو الاجتماعات العامة وإما بواسطة المعلقات والإعلانات المعروضة لنظر العموم وإما بواسطة أي وسيلة من وسائل الإعلام السمعي والبصري أو الالكتروني. والمحاولة موجبة للعقاب وفقا لمقتضيات الفصل ٥٩ من المجلة الجزائية.”
أصدرت الدّائرة الجنائيّة بالمحكمة الابتدائيّة بتونس حكما لفائدة ن.ف بتاريخ ٢٧ نوفمبر استأنفته النّيابة العامّة. أقرّت محكمة الاستئناف بتونس الحكم الابتدائي بتاريخ ٢٨ سبتمبر ٢٠١٦. طعن المدّعي العام في القرار لدى محكمة التّعقيب بحجّة أنّ قرار الاستئناف ينتهك القانون ويفتقر إلى الحجج الكافية.
باعتبارها محكمة قانون تنظر محكمة التّعقيب في التّطابق مع القانون وفي تفسيره وتطبيقه على نحو صحيح كما تبتّ في الشكاوى المتعلّقة بإساءة استعمال السّلطة وعدم اختصاص المحكمة أو التقيّد بالإجراءات الإجباريّة. لذلك اعتبرت محكمة التّعقيب أنّ المسألة القانونيّة الأساسيّة التي يجب البتّ فيها في قضيّة الحال “تقتصر على الطّعن في تقدير محكمة الاستئناف الذي كان معلّلا على نحو صحيح ولم ينتهك القانون” (ص.٤)
سعى الادعاء إلى نقض قرار محكمة الاستئناف تبرئة المتّهمة بحجّة أنّ المحكمة جانبت الصّواب بانتهاك القانون في مناسبتين:
أوّلا، اعتبر المدّعي العام أنّ محكمة الاستئناف جانبت الصّواب في عدم اعتبار شبكات التّواصل الاجتماعي وسيلة اعلام الكترونيّ بما أنّ المرسوم عدد ١١٥ لسنة ٢٠١١ فضفاض ولم يستثن بالتّحديد شبكات التّواصل الاجتماعي. ثانيا، جانبت محكمة الاستئناف الصّواب عندما أقرّت أن سحب التّدوينة موضوع القضيّة يعني انتفاء القصد الجنائي. واحتجّ الادّعاء بأنّ المدّعى عليها لم تسحب التّدوينة سوى بعد أن تلقت نقدا من عدد من مستخدمي الفيسبوك وبذلك ليس للسّحب ايّ صلة بوجود القصد الجنائي الأصليّ.
اعتبرت محكمة التّعقيب أنّ قرار محكمة الاستئناف كان معلّلا بشكل سليم ولم تجد أساسا لأي من الانتهاكين المزعومين للقانون وذهبت المحكمة إلى القول بأنّ نطاق مراجعتها القانونيّة يقتصر على المواضع المتعلّقة بالتّطابق مع القانون و/أو تطبيقه الصّحيح ولا يشمل السّلطة التقديريّة لمحكمة التّعقيب طالما كان قرارها معلّلا بشكل صحيح. وبالنّسبة إلى الحجّتين اللتين ساقهما الادّعاء، اعتبرت محكمة التّعقيب انّ محكمة الاستئناف طبّقت بشكل صحيح المبادئ القانونيّة المعمول بها وفقا لتقديرها الخاصّ ولذلك لا حاجة لتعميق التّحليل في هذا المجال.
بذلك أقرّت المحكمة، من النّاحية الموضوعيّة، رأي محكمة الاستئناف ورأي المحكمة الابتدائيّة بشأن مسألتين هامّتين. تتعلّق الأولى بالطّابع العلني والعام للحسابات الشخصيّة على شبكات التّواصل الاجتماعي حيث أكّدت محكمة التّعقيب أنّ منصّات التّواصل الاجتماعي ليست ” وسائل اعلام الكتروني” كما يعرّفها المرسوم عدد ١١٥ لسنة ٢٠١١ استنادا إلى كون النّشر عبر (ما يبدو أنّها) حسابات شخصيّة لا يمكن أن يطّلع عليه سوى عدد محدود من الأشخاص الذين لهم علاقة فيما بينهم وأنّها (أي الحسابات الشخصيّة) غير موجّهة لنشر المعلومات على نطاق واسع للعموم. أمّا فيما يتعلّق بالمسألة الثانية فقد أبرزت محكمة التّعقيب أنّ محكمة الاستئناف مخوّلة للنّظر في الأسس الموضوعيّة للقضيّة دون إشراف محكمة التّعقيب التي هي محكمة قانون وأقرّت بذلك الاستنتاج الذي ذهبت إليه محكمة الاستئناف بأنّ حذف المدّعى عليها تدوينتها من شبكة فيسبوك يعني انتفاء القصد الجنائي.
بتأييدها للتّفسير الذي ذهبت إليه محكمة الاستئناف للنّصوص القانونيّة المعنيّة في قضيّة الحال، وضعت محكمة التّعقيب مبدأين توجيهيّين هامّين: ١) لا تمثّل شبكات التّواصل الاجتماعي وسيلة إعلام الكتروني على معنى المرسوم عدد ١١٥ لسنة ٢٠١١ في حالة نشر التّدوينات ضمن عدد محدود من الأفراد المتواصلين فيما بينهم وعدم توجيهها نحو النّشر العام على نطاق واسع، و ٢) سحب التّدوينة ينفي القصد الجنائي المحتمل.
رفضت المحكمة طلب النيابة العامّة وأكّدت القرار الصّادر عن محكمة الاستئناف لتبرئ بذلك المدّعى عليها ن.ف.
يشير اتجاه الحكم إلى ما إذا كان الأخير يُوسع من مدي التعبير أم يُضيقه بناءً على تحليل للقضية.
يوسّع قرار محكمة التّعقيب نطاق الحقّ في حريّة التّعبير بتأكيد الحكم الصّادر عن محكمة الاستئناف وذلك الصّادر عن المحكمة الابتدائيّة بتبرئة المدّعى عليها بالحدّ من إمكانيّة الإدانة ” لنشر أخبار زائفة من شأنها تهديد الأمن العام” بسبب تدوينة على الفيسبوك.
أقرّت محكمة التّعقيب بأنّ مواقع التّواصل الاجتماعي ليست وسيلة إعلام الكتروني على معنى المرسوم عدد ١١٥ لسنة ٢٠١١ المؤرّخ في ٢ نوفمبر ٢٠١١ المتعلّق بحريّة الصّحافة الطّباعة والنّشر طالما أنّ التّدوينات متوفّرة لعدد محدود من الأشخاص المرتبطين فيما بينهم وليست موجّهة للنّشر للعموم على نطاق واسع.
كما أقرّت المحكمة أنّ سحب التّدوينة ينتفي معه القصد الجنائي المحتمل وهو تفسير يوفّر حماية أفضل لحريّة التّعبير ويحدّ من امكانيّة تحمّل مسؤوليّة جنائيّة بسبب خطاب رقميّ.
قرار محكمة التّعقيب ليس ” قرارا مبدئيّا” أي أنّه لم يصدر عن الدّوائر المجتمعة لمحكمة التّعقيب لكنّه يشكّل خيارا بديلا جيّدا من حيث حجيّة فقه القضاء.
رغم أنّ قرار محكمة التّعقيب قابل للنّقاش ولم يكن مدعوما بتحليل شامل وعميق حيث اكتفت المحكمة بالتّأييد بالوكالة للتّفسيرات التي ذهبت إليها محكمة الاستئناف من خلال التّأكيد على أنّ محكمة الاستئناف مخوّلة للنّظر في الأسس الموضوعيّة للقضيّة، فهو يشكّل سابقة مثيرة للاهتمام يمكن للمحاكم الأخرى أخذها بالاعتبار كما يمثّل مادّة قانونيّة للباحثين والمحامين والحقوقيّين يمكنهم الاعتماد عليها للدّفاع عن حريّة التّعبير.
يوضح المنظور العالمي كيف تأثر قرار المحكمة بمعايير سواء من منطقة واحدة أو عدة مناطق.
تُشير أهمية هذه القضية إلى مدى تأثيرها وكيفية تغير مدى أهميتها بمرور الوقت.