المراقبة / التصنت, حرية الصحافة والإعلام, تنظيم المحتوى والرقابة عليه, الخصوصية وحماية البيانات والاحتفاظ بها
مركز امابهونجاني للصّحافة الاستقصائية ضدّ وزير العدل والخدمات الاصلاحيّة
جنوب أفريقيا
قضية مُنتهية الحكم يَحُد من حُرية التعبير
حرية التعبير العالمية هي مبادرة أكاديمية، ولذلك، نشجعك على مشاركة وإعادة نشر مقتطفات من محتوانا طالما لا يتم استخدامها لأغراض تجارية وتحترم السياسة التالية:
• يجب عليك الإشارة إلى مبادرة جامعة كولومبيا لحرية التعبير العالمية كمصدر.
• يجب عليك وضع رابط إلى العنوان الأصلي للتحليل القضائي أو المنشور أو التحديث أو المدونة أو الصفحة المرجعية للمحتوى القابل للتنزيل الذي تشير إليه.
معلومات الإسناد وحقوق النشر والترخيص لوسائل الإعلام المستخدمة من قبل مبادرة حرية التعبير العالمية متاحة على صفحة الإسناد الخاصة بنا.
هذه القضية متاحة بلغات إضافية: استعرضها بلغة أخرى: English
رفضت المحكمة الإداريّة العليا المصريّة طعنا تقدّمت به مؤسّسة حريّة الفكر والتّعبير في حكم أصدرته محكمة القضاء الإداري تمّ بموجبه حجب يوتيوب لمدّة شهر. أشارت المحكمة إلى فقه القضاء المصري والأجنبي الذي يفيد بأنّ حريّة التّعبير ليست حريّة مطلقة بل يمكن إخضاعها إلى قيود للحفاظ على قيم وتقاليد المجتمع المصري. ايّدت المحكمة الحكم بالحجب على أساس أنّ الدّولة لها واجب الحفاظ على السّلم الاجتماعي والأمن القومي من خلال حماية المعتقدات الدّينيّة. كما دعت المحكمة البرلمان إلى “منع” و”تجريم” المواقع التي من شأنها أن تمسّ بالوحدة الدّينيّة.
في شهر يوليو ٢٠١٢، ظهر على موقع يوتوب شريط فيديو مدته ١٤ دقيقة حول الرّسول محمّد تحت عنوان “براءة المسلمين” وتمّ تحميل الشّريط مرّتين على الأقلّ تحت عنوانين مختلفين مثل “الحياة الحقيقيّة لمحمّد” و “الإعلان الخاصّ بفيلم محمّد” وظهرت منذ أوائل شهر سبتمبر ٢٠١٢ نسخ من الفيلم مدبلجة باللغة العربيّة. يصوّر الفيلم الرّسول محمّد كشاذّ جنسيّ ومتحرّش بالأطفال وزير نساء ويصفه بالمحتال وقد شهدت القاهرة مظاهرات ضدّ الفيلم أسفرت عن أعمال عنف واشتباكات مع الشرّطة.
يوم ١٢ سبتمبر ٢٠١٢، رفع المحامي محمد حامد سالم دعوى قضائيّة أمام المحكمة الإداريّة طلب فيها تعليق تنفيذ القرار السّلبي الصّادر عن الجهاز القومي لتنظيم الاتّصالات. القرار السلبيّ يعني هنا أنّ سالم قد طلب في مرحلة سابقة من الجهاز القومي لتنظيم الاتّصالات إصدار امر بالحجب لكنّ الجهاز امتنع عن ذلك. تمّ طرح الفيلم على المحكمة وذكر صاحب الدّعوى أنه مسيء للإسلام ويشكّل تهديدا للأمن المصري. طالب سالم بحجب ومنع موقع يوتيوب وكلّ الرّوابط المتعلقة بشريط الفيديو المذكور في جمهوريّة مصر العربيّة.
يوم ٩ فبراير ٢٠١٣ قبلت المحكمة الإداريّة الدّعوى التي تقدّم بها سالم واعتبرت أنّ الفيلم موضوع الدّعوى مسيء للإسلام. حكمت المحكمة لفائدة سالم وعلّقت تنفيذ القرار السّلبي الصّادر عن الجهاز القومي لتنظيم الاتّصالات وحجبت موقع يوتيوب لمدّة شهر وارتأت المحكمة أنّه من الضروريّ حجب كامل الموقع على أساس أنّ المتابعين سينسخون ويحمّلون الشريط المطعون فيه تحت عناوين مختلفة ولن يتسنّى بالتّالي تحديد الرّوابط وإزالتها أو حجبها على نحو انتقائيّ.
كما قبلت المحكمة تدخّل مؤسّسة حريّة الفكر والتّعبير في القضيّة وقد طلبت المؤسّسة وقف التّنفيذ وطعنت في القرار أمام المحكمة الإداريّة العليا. تلقّت المحكمة الإداريّة العليا القضيّة والتمست رأيا قانونيّا من هيئة المفوّضين.
أقرّت هيئة مفوّضي الدّولة أوّلا أنّه لا وجود لأيّ أساس قانونيّ للحجب بمقتضى القانون المصريّ بيد أنّه يمكن وجود أساس داخل المعاهدات الدوليّة التي تسمح بفرض قيود قانونيّة لمكافحة التعصّب والقضاء على التّمييز. وخلصت كذلك إلى أنّ الجهاز القومي لتنظيم الاتّصالات يقع على عاتقه واجب حماية الحريّة الدّينيّة ضدّ الاكراه والإهانة ممّا قد يؤدّي في نهاية المطاف إلى تهديد الأمن الوطني وإلى تقويض الدّولة وأركان الإسلام.
لكنّ المفوّضين أشاروا أيضا إلى أنّ “مفسدة غلق اليوتيوب بالكامل من شأنه أن ينال من حرية الفكر والتعبير بالإضافة إلى المساس بالخدمات التي يقدمها اليوتيوب وتخدم المجالات الأخرى والتي من بينها نشر تعاليم الإسلام السمحة بالإضافة إلى ما يترتب على حجب المواقع بالكلية من أضرار مادية جسيمة قد تصل إلى خسائر مئات الملايين من الجنيهات وفقاً لما ذكرته الجهة الإدارية”.
يوم ٢٦ مايو ٢٠١٨ قبلت المحكمة الاداريّة العليا جزئيّا رأي هيئة مفوّضي الدّولة وفي قرارها النّهائيّ رفضت الطّعن الذي تقدّمت به مؤسّسة حريّة الفكر والتّعبير وايّدت القرار الذي اتّخذته محكمة القضاء الإداريّ بحجب موقع يوتيوب لمدّة شهر.
أصدرت الدّائرة الأولى من المحكمة الإداريّة العليا الحكم النّهائيّ.
تمثّلت القضيّة الأساسيّة بالنّسبة إلى المحكمة في البتّ فيما إذا كان الطّعن في قرار محكمة القضاء الإداري بحجب موقع يوتويب لمدّة شهر مقبولا موضوعا على أساس حريّة التّعبير.
قبلت محكمة القضاء الإداري الدّعوى التي تقدّم بها محمّد حامد سالم بانّ الفيلم مسيء للإسلام. طلبت مؤسّسة حريّة الفكر والتّعبير التدخّل على أساس أنّها “إحدى مؤسّسات المجتمع المدني المهتمّة بحريّة الفكر والابداع” (ص.٥). قبلت المحكمة تدخّل مؤسّسة حريّة الفكر والتّعبير والطّعن الذي تقدّمت به من حيث الشّكل. علّلت مؤسّسة حريّة الفكر والتّعبير أنّ حقوق الاتّصال والمعرفة هي تعبير عن حاجة إنسانيّة أساسيّة وأساس لكلّ مواطن اجتماعيّ كما أكّدت الجمعيّة على حقّ الأفراد في أشكال مختلفة من التواصل على غرار”التّواصل الإنساني والاجتماعي والثقافي والسياسي مع الآخر في الدّاخل والخارج عبر خدمات الانترنت” (ص.٥)
“اسّست المحكمة قضاءها بعد أن استعرضت النّصوص والفصول التّالية: الفصول ١٠ و١١ و٣٨ و٤٥ و٤٨ من الدّستور المصري؛ الفصول ١٩ (١) و (٣) و (٤) و (٥) و(١٣) من العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة والفصول ٢١ و٢٠ و٢٩ و٤٩ و٥٠ و٥١ و٥٥ و٦٧ من القانون المصري لتنظيم الاتّصالات رقم ١٠ لسنة ٢٠٠٣” (ص.٦)
بناء على الفصول المشار إليها من الدّستور المصري والعهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة خلصت المحكمة إلى أنّ حريّة التّعبير “ليست حقّا مطلقا بل يمكن الحدّ منها للحفاظ على قيم المجتمع والتّقاليد والتّراث التّاريخي” (ص.١٣) وفسّرت المحكمة ذلك بانّ الدّستور أباح “وضع قواعد وضوابط تبيّن كيفيّة ممارسة الحريّة بما يكفل صونها في إطارها المشروع دون تجاوزه إلى الإضرار بالغير أو بالمجتمع”. ص.١٣ ولا يمكن لحريّة التّعبير أن تتجاوز حدود الآداب العامّة بالاعتداء على السّكينة العامّة وإثارة استياء معتنقي الدّيانات. لذلك لا بدّ من تحقيق التّوازن بين تلك الحقوق والحريّات وفي قضيّة الحال رأت المحكمة أنّه لا يوجد تناسب بين الأضرار المتكبّدة والمنافع المنتظرة من ممارسة حريّة التّعبير وأنّ الفيلم موضوع النّظر “يمسّ بالمعتقدات الدّينيّة والقيم الأخلاقيّة الرّاسخة لجمهوريّة مصر” وأنّ ممارسة حريّة التّعبير في هذه الحالة تنتهك القيم الأخلاقيّة والدّينيّة (ص.٧). لذلك لم تعد حريّة التّعبير في هذه الحالة تشكّل أساسا صحيحا للطّعن لأنّ محتوي الفيلم يمثّل “خرقا للمصلحة العليا للدّولة والأمن الوطني” وهو “اعتداء على أحكام الدّستور والقانون” (ص.٧)
خلصت المحكمة أيضا إلى أنّ الجهاز القومي لتنظيم الاتّصالات له سلطة تنظيم وسائل الاتّصال “دون المساس بالمصالح العليا للدّولة والأمن القومي” ص.١٤ وإلى أنّ القانون المصري لتنظيم الاتّصالات لم يحدّد صراحة القاعدة القانونيّة التي يتمّ اعتمادها لحجب المواقع على الويب إلّا أنّ ذلك لا يخلّ بحقّ الأجهزة الحكوميّة في حجب بعض المواقع على الانترنت التي تمسّ بالأمن القومي أو المصالح العليا للدّولة و ذلك بما لتك الأجهزة من سلطة في مجال الضّبط الإداري لحماية الأمن العام والصحّة العامّة والسكينة العامّة للمواطنين” ص.١٤
في الختام أشارت المحكمة إلى أنّ “هذا القضاء ليس لمواجهة الظّروف الحاليّة فقط وإنّما ردعا وتقويما وإنذارا لتلك المواقع ولكلّ من تسوّل له نفسه العبث بالمعتقدات والثّوابت الدّينيّة والرّوحيّة للشعب المصري” ص.١٥ ودعت المحكمة ” الدّولة ومجلس نوّابها إلى سنّ تشريع يمنع ويجرّم كلّ بثّ أيّا كانت وسيلته من شأنه أن ينال من المعتقدات والثوابت الدينيّة للشّعب المصري حفاظا على السّلام الاجتماعي ووحدة النّسيج الوطني”. ص.١٦
يشير اتجاه الحكم إلى ما إذا كان الأخير يُوسع من مدي التعبير أم يُضيقه بناءً على تحليل للقضية.
القرار يحدّ من حريّة التّعبير من خلال دعوة البرلمان المصري إلى سنّ قوانين تقيّد التّعبير الذي يخشى أن يقوّض الوحدة الدينيّة للمجتمع المصري كما توسّعت المحكمة في تفسير العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة لتبرير الحجب التّام للمنصّات بالاعتماد على القيود المشروعة المنصوص عليها في الفصل ١٩ (٣) لحماية الأمن القومي والنّظام العام والصحّة العامّة أو الأخلاق. في تقييمها لضرورة الحجب اعتبرت المحكمة أن حماية التّماسك الاجتماعي مُقدَّم على حرية الرأي والتعبير. رغم إشارتها إلى ضرورة حفظ الحقوق فشلت المحكمة في اعتبار تناسب حجب المنصّة ممّا من شأنه أن يهدّد الحقّ في حريّة التّعبير وذلك رغم توفّر سبل انصاف أقلّ تقييدا من قرار الحجب. كما أنّ المحكمة حادت بهذا القرار عن الأحكام السّابقة على غرار الحكم الذي صدر سنة ٢٠١٥ بمنع حجب موقع فيسبوك.
وقد افترض التّحليل الذي أنجزته مؤسّسة حريّة الفكر والتّعبير أنّ الحكم أرسى سابقة قضائيّة بالنّسبة إلى القضايا المنشورة أمام المحاكم وللحكم مستقبلا لفائدة الحجب في القضايا المتزايدة في علاقة بمواقع التّواصل الاجتماعي. كما من شأن هذا الحكم أن يشرّع للمحاولات من جانب السلطتين التنفيذيّة والتّشريعيّة للحدّ من حريّة التّعبير وقد أشارت مؤسّسة حريّة الفكر والتّعبير إلى أنّ المحكمة لم تسعَ إلى وضع تعريف واضح لمفهوم الأمن القومي وتركت المفهوم فضفاضا ممّا يفتح باب التّأويل على مصراعيه ولا يوضّح للنّاس كيفيّة مواءمة أعمالهم طبقا لذلك.
وأفاد المكلّف بالبرامج التقنية والحريات بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، عمرو غربيّة بانّ حجب يوتيوب لمدّة شهر سيؤثّر تأثيرا عميقا على الشركات والمنظّمات المصريّة وعلى الأفراد الذين يقومون بإصدارات على موقع يوتيوب ويتلقّون إيرادات من الإشهار.
يوضح المنظور العالمي كيف تأثر قرار المحكمة بمعايير سواء من منطقة واحدة أو عدة مناطق.
تُشير أهمية هذه القضية إلى مدى تأثيرها وكيفية تغير مدى أهميتها بمرور الوقت.