تنظيم المحتوى والرقابة عليه, المراقبة / التصنت, الخصوصية وحماية البيانات والاحتفاظ بها
بافولوتسكي، كلاوديو وآخرون ضد فيشر الأرجنتين ش. م.
الأرجنتين
قضية مُنتهية الحكم يُعزز من حُرية التعبير
حرية التعبير العالمية هي مبادرة أكاديمية، ولذلك، نشجعك على مشاركة وإعادة نشر مقتطفات من محتوانا طالما لا يتم استخدامها لأغراض تجارية وتحترم السياسة التالية:
• يجب عليك الإشارة إلى مبادرة جامعة كولومبيا لحرية التعبير العالمية كمصدر.
• يجب عليك وضع رابط إلى العنوان الأصلي للتحليل القضائي أو المنشور أو التحديث أو المدونة أو الصفحة المرجعية للمحتوى القابل للتنزيل الذي تشير إليه.
معلومات الإسناد وحقوق النشر والترخيص لوسائل الإعلام المستخدمة من قبل مبادرة حرية التعبير العالمية متاحة على صفحة الإسناد الخاصة بنا.
هذه القضية متاحة بلغات إضافية: استعرضها بلغة أخرى: English استعرضها بلغة أخرى: Español استعرضها بلغة أخرى: Français
صرّحت المحكمة الدستورية لجنوب أفريقيا بعدم دستوريّة وبطلان جوانب مختلفة من التشريع الذي يجيز التنصّت على الاتصالات. بعد أن علم صحفي أن اتصالاته قد خضعت للتنصت، رفع مع مركز amaBhungane للصحافة الاستقصائية شكوى لدى المحكمة بحجة أن التشريع يحمل أوجه قصور خطيرة وينتهك الحق في الخصوصية. رأت المحكمة العليا أن القانون غير دستوري وأكدت المحكمة الدستورية في طور الاستئناف حكم المحكمة العليا. شددت المحكمة على أن عدم تنصيص القانون على ضمانات يمنع الرقابة والمساءلة، وأن السرية التي تغطي نظام التنصّت تحول دون أي طعن في أوامر المراقبة. لاحظت المحكمة أن هذه السرية والإفلات من العقاب يزيدان من خطر إساءة الاستخدام وانتهاك الحقّ في الخصوصيّة.
سنة ٢٠٠٨ اعتقد الصحفي الجنوب أفريقي، سام سول، شكوك في أنّ اتّصالاته كانت خاضعة للرّصد والتنصّت. اتّجه سول سنة ٢٠٠٩ إلى المفتّش العام للاستخبارات في محاولة لمعرفة ما إذا كان يخضع للمراقبة. أبلغه المفتش العام أنه “تبيّن أن وكالة الاستخبارات الوطنية وقسم الاستخبارات الجنائية في الشرطة لم يرتكبا أي مخالفات” وهو جواب لا يؤكد ما إذا كان قد تم التنصّت على اتّصالات سول بل يشير فقط إلى أنّ المفتش العام لم يجد أي مخالفات من جانب وكالات الدولة. [الفقرة ١٣]
سنة ٢٠١٥ تضمنت إفادة خطية، في إطار دعوى قضائيّة لا تشمل سام سول، نصوص مكالمات جرت بين سول والمدعي العام للدولة ممّا بيّن أن اتصالات سول قد تم التنصّت عليها بالفعل سنة ٢٠٠٨. نتيجة لذلك، اتصل سول بوكالة أمن الدولة لطلب تفاصيل بشأن عمليّة التنصّت، لكن ورغم حصوله على معلومات عن تمديد أمر التنصّت، لم يتم إبلاغه بأي شيء عن سبب أو قانونية الإذن الأصلي.
اتّجه سول ومركز amaBhungane للصّحافة الاستقصائيّة للمحكمة العليا لطلب الإعلان بأنّ قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها رقم ٧٠ لسنة ٢٠٠٢ غير دستوريّ وأنّه “لا يوفّر الضّمانات الملائمة لحماية الحقّ في الخصوصيّة.” [الفقرة ١٥]
تمّ اعتماد قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها ليحل محل قانون حظر التنصّت والرصد عدد ١٢٧ لسنة ١٩٩٢ بسبب التطورات التكنولوجية، وهو يشمل كافّة “المحادثات الشفوية والبريد الإلكتروني واتصالات الهاتف المحمول (بما في ذلك البيانات والنصوص والصور التي يتم إرسالها عبر خدمات البريد أو نظام الاتصالات السلكية واللاسلكيّة.” [الفقرة ٧] تمنع المادّة ٢ التنصّت على الاتصالات – ما لم يندرج التنصّت ضمن إحدى العمليّات التي ينصّ عليها القانون. كما لا يمكن تقديم طلبات للمراقبة إلا لمواجهة الجرائم الخطيرة أو التهديدات للصحة العامة أو السلامة العامة في البلاد أو الأمن القومي أو المصالح الاقتصادية الوطنية أو الجريمة المنظمة والإرهاب. توجّه الطّلبات إلى ” قاض معيّن” يعيّنه وزير العدل، عبر مطلب من طرف واحد ممّا يعني أنّه لا يمكن تقديم أي حجج مضادّة ضدّ طلب الوكالة الحكوميّة.
تنص المادة ١٤ من الدستور على أنه “لكل شخص الحق في الخصوصية الذي يشمل الحق في (أ) عدم تفتيش شخصه أو منزله (ب) عدم تفتيش ممتلكاته (ج) عدم مصادرة ممتلكاته، أو (د) انتهاك خصوصية اتصالاته.”
جادل مركز amaBhungane للصّحافة الاستقصائيّة أمام المحكمة العليا بأنّ قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها لا ينص على أي نظام للإشعار – حتى بعد المراقبة – لإبلاغ الشخص الخاضع للمراقبة بأنه خضع للمراقبة وهذا يعني أنّ الطّرف المعني لن يعلم بالمراقبة ولا يمكنه الطعن في قانونية ذلك الإجراء. بالإضافة إلى ذلك، جادل المركز بأن تعيين القاضي بصفة أحاديّة من طرف وزير العدل لفترة غير محدّدة وأنّ الاستماع إلى القضية من جانب واحد هما جانبان يجعلان قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها غير قادر على ضمان استقلال القاضي وهو “يفتقر إلى أي شكل من أشكال الإجراءات الحضورية أو غيرها من الآليات لضمان حماية الطّرف الخاضع للمراقبة في عملية تقديم الطلبات من جانب واحد.” [الفقرة ١٧] أبرز المركز المخاطر التي يتضمّنها قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها لأنّه لم يضع معايير صارمة لنوع وطريقة جمع البيانات وتخزينها وأنه لا توجد ضمانات محددة عند استهداف صحفي أو محام بالمراقبة. أفاد المركز أيضًا بأن التنصّت الجماعي الذي كان يقوم به “المركز الوطني للاتصالات” ليس مخوّلًا بمقتضى قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها وهو بالتّالي غير قانوني.
تم قبول ثلاث منظمات غير حكومية محلية ودولية هي منظّمة رصد وسائل الإعلام في أفريقيا وRight2Know Campaign ومنظّمة الخصوصيّة الدوليّة كطرف ثالث تستأنس المحكمة برأيه.
في ١٦ سبتمبر ٢٠١٩، قضت المحكمة العليا لشمال خاوتينغ بأن قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها غير دستوري معتبرة أنّ عدم تنصيص القانون على أيّ إشعار للشّخص الخاضع للمراقبة وعدم وجود ضمانات للحماية من التأثير السلبي للطلبات المقدمة من جانب واحد وخطر مراقبة الصحفيين والمحامين والمساس باستقلال القاضي المعين كلّها جوانب تعني أنّ قانون تنظيم التنصّت على الاتّصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها يحد بشكل غير معقول وغير مبرر من الحق في الخصوصية. رأت المحكمة العليا أيضًا أن إدارة البيانات بموجب قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها غير دستوريّة وأن المراقبة الشّاملة التي يقوم بها المركز الوطني للاتصالات غير قانونية. علقت المحكمة العليا إعلان البطلان لمدة سنتين لتمكين البرلمان من معالجة أوجه القصور تلك، لكنها فسّرت بعض أحكام القانون الحالي كإجراءات مؤقتة.
أعلن القاضي مادلنغا مع القضاة كامبيبي وماجيدت ومهالنتلا وثيرون وتشيكي وماثوبو وفيكتور حكم الأغلبيّة. تمثلت المسائل الأساسيّة المطروحة على نظر المحكمة فيما إذا كان قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها يشكّل تقييدًا غير مبرر للحق في الخصوصية وهل يوجد اساس قانوني للمراقبة الشّاملة في جنوب أفريقيا.
كرّر مركز amaBhungane الحجج التي قدّمها لدى المحكمة العليا بأنّ قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها غير دستوريّ لأنّه لا ينصّ على إشعار الشّخص الخاضع للمراقبة وأنّ استقلاليّة القاضي المعيّن مهدّدة وأنّ الطّبيعة أحاديّة الجانب لطلب الإذن بالمراقبة لا تحمي الطّرف المستهدف بعمليّة المراقبة وضرورة توفير حماية محدّدة عندما تستهدف المراقبة محاميًا أو صحفيًّا وعدم وجود إرشادات كافيّة في قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها حول طريقة تخزين البيانات وأنّ المراقبة الشّاملة في جنوب افريقيا غير قانونيّة في غياب تشريع ينظّمها.
أقرّت الجهات الحكوميّة المدّعى عليها بأن قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها يحد من الحق في الخصوصية لكنها أكدت أن التقييد يبرره الغرض من المراقبة وأهميتها من أجل “التحقيق في الجرائم الخطيرة ومكافحتها وضمان الأمن الوطني والحفاظ على النظام العام وبالتالي ضمان سلامة الجمهورية وشعبها.” [الفقرة ٢٩] أضاف وزير الشرطة أن قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها يسمح للشرطة بالوفاء بالتزاماتها بموجب المادة ٢٠٥(٣) من الدستور، “لمنع الجريمة ومكافحتها والتحقيق فيها والحفاظ على النظام العام وحماية وتأمين سكان الجمهورية وممتلكاتهم ودعم القانون وإنفاذه.” كما أكّدت الجهات الحكوميّة المدّعى عليها أنه لا مجال للمخاوف بشأن استقلال القاضي المعين ضمن السلطة القضائية والذي يُفترض بالتالي أنه مستقل – لأن السلطة القضائية مستقلة – وبالتالي لا حاجة لتوفير ضمانات أخرى. جادل وزير أمن الدولة بأن المراقبة الشّاملة مأذون بها بموجب قانون الاستخبارات الاستراتيجية الوطنية عدد ٣٩ لسنة ١٩٩٤ وأنّ هذا القانون يوفر ضمانات كافية ضد إساءة الاستخدام. يمكّن قانون الاستخبارات الاستراتيجية الوطنية الوكالات الحكوميّة من ” تجميع المعلومات الاستخباراتيّة الوطنيّة والاستخبارات الجنائيّة والاستخبارات الإداريّة والاستخبارات الاجنبيّة والاستخبارات العسكريّة الأجنبيّة والاستخبارات العسكريّة الدّاخليّة وربطها في ما بينها وتقييمها وتحليلها.” [الفقرة ١٣١]
اعترفت المحكمة بتاريخ المراقبة والأمن الوطني في جنوب أفريقيا وكيف أنه في ظل نظام التّفرقة العنصريّة “تم استخدام مفهوم منحرف للأمن الوطني للمسّ من كرامة غالبية مواطني جنوب أفريقيا.” [الفقرة ١]. أضافت أن المراقبة في عهد التّفرقة العنصريّة كانت ماديّة أساسًا وتركّز على مراقبة الأشخاص، لكنّ التكنولوجيا الجديدة مكنت وكالات الدولة من “غزو ‘المجال الشخصي الحميم’ لحياة الناس.” [الفقرة ١] بالإشارة إلى قضية جارتنر ضد وزير المالية شددت المحكمة على أن الحق في الخصوصية “يشمل الحق في عدم الاقتحام والتدخّل من قبل الدولة وغيرها في الحياة الشخصية للأفراد.” [الفقرة ٢]
عند النظر في تأثير قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها على الحق في الخصوصية، وصفت المحكمة المراقبة المنصوص عليها في قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها بأنها “خفيّة ” وشددت على أن الأفراد يتواصلون على أساس أن محتوى اتّصالاتهم خاص وأن اعتقادهم بأنهم يتواصلون دون تدخل هو ما يجعل الأفراد يتواصلون براحة تامة. [الفقرة ٢٣] بالإشارة إلى حكمها في قضية الجرائم الاقتصادية الخطيرة ضد موزعين هيونداي موتور (بي تي واي) في قضية: موزعين هيونداي موتور (بي تي واي) ضد سميت ن.أ.، أكّدت المحكمة أن الحق في الخصوصية يزداد كلّما اقتربت عمليّات التدخّل من المجال الشخصي الحميم للأفراد ووصفت قضية قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها على النحو التالي: “لن يوجد ابدا انتهاك للخصوصيّة أكثر شراسة ممّا نشهده في قضيّة الحال.” [الفقرة ٢٤]
أقرّت المحكمة بأن الجهات الحكوميّة المدعى عليها لم تنكر أن قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها ينتهك الحق في الخصوصية ومن ثم أجرت تحليلًا للقيود وفقًا للمادة ٣٦ من الدستور. المادّة ٣٦ من الدستور هي بند ينصّ على القيود العامّة ولا يسمح بتقييد الحقوق المحمية دستوريًا إلا في ظروف معينة. تنصّ المادّة ٣٦(١) على أنّه “لا يجوز تقييد الحقوق المنصوص عليها في ميثاق الحقوق إلا بموجب قانون عام التطبيق طالما كان القيد معقولًا ومبررًا في مجتمع حرّ وديمقراطي قائم على كرامة الإنسان والمساواة والحرية، مع مراعاة جميع العوامل ذات الصلة” بما في ذلك طبيعة الحق وأهمية التقييد والغرض منه وطبيعته ومداه والعلاقة بين التقييد والغرض منه وما إذا كانت هناك وسائل أقل تقييدًا لتحقيق الغرض من القيد.
نظرت المحكمة في طبيعة الحق في الخصوصية واستشهدت بقضية ميستري ضد المجلس الوطني المؤقت للطب وطب الأسنان في جنوب أفريقيا في عهد التّفرقة العنصريّة، ولاحظت أن هذا الحق هو أحد الحقوق التي تضمن القطيعة مع دولة الفصل العنصري البوليسية وبالتالي فهو يحتل مكانة مهمة بشكل خاص في جنوب أفريقيا الدستورية. كما سلطت المحكمة الضوء على الروابط الوثيقة بين الحق في الخصوصية والكرامة.
عند النظر في أهمية هذا التقييد، أقرّت المحكمة بالحاجة إلى منع الجريمة وأن “التنصّت على الاتصالات أصبح ضروريًا للوفاء بهذه الالتزامات” ولاحظت أن بوتسوانا وكينيا وكندا والولايات المتحدة قد أذنت جميعها بالتنصّت على الاتصالات. [الفقرة ٣٠]
نظرت المحكمة بالتفصيل في طبيعة التقييد ومداه. أشارت إلى أن “مخالب التنصّت العمياء تصل إلى شتّى أنواع الاتصالات، بما في ذلك الاتصالات الأكثر خصوصية وحميمية” وخلصت إلى أنه – بما أن الاتصال الذي يتمّ التنصّت عليه قد لا يكون له أي علاقة بغرض التنصّت وقد يشمل “ضحايا عرضيّين” – فإن “تقييد الحق تدخلي بشكل فاضح.” [الفقرة ٣١] فيما يتعلق بالحكم الصادر في قضية وزير السلامة والأمن ضد فان دي ميروي، تسألت المحكمة عما إذا كان قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها يحتوي على ضمانات كافية كي لا يتجاوز انتهاك الحق في الخصوصية الحدود الدستورية. أشارت المحكمة إلى أنّ الباب ٩ من قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها يجرم عمليات التنصّت التي تتجاوز الحدود المنصوص عليها وأن الطلبات المقدمة إلى القاضي المعين يجب أن تتضمّن وصفًا للمراقبة المقصودة، لكن نصّ القانون مازال يحتوي على ثغرات فيما يتعلّق بالحماية التي يوفّرها. أشارت المحكمة إلى تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حول قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها التي أعربت عن قلقها إزاء “العتبة المنخفضة نسبيًا لإجراء المراقبة…والضعف النسبي للضمانات والرصد وسبل الانتصاف من التدخل غير المشروع في الحقّ في الخصوصية.” [الفقرة ٣٦]
أجرت المحكمة تحليلًا شاملًا للحجج التي أثارها المركز بشأن مواطن القصور الدستوري في قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها. وقدمت المحكمة ثلاثة أمثلة تبين ضعف المنظومة القائمة: التنصّت على الاتصالات بين صحفيين، مزيليكازي وا أفريكا وستيفن هوفستاتر، كانا يحققان في فساد الشرطة وأُذن بمراقبتهما بعد أن أخبرت الشرطة القاضي المعين، متعمّدة تضليله، بأن مالكي أرقام الهواتف التي ستتمّ مراقبتها هم مجرمون يخطّطون لتفجير قنبلة بالقرب من صرّاف آليّ وتزوير رسائل عبر البريد الإلكتروني زُعم أنه تم الحصول عليها من خلال التنصّت على اتصالات رجل أعمال والتي استخدمتها وكالة الاستخبارات الوطنية بعد ذلك لمحاولة “الكشف” عن بعض المؤامرات. أوضحت المحكمة أن هذه الأمثلة تبين أن “الأكاذيب الصّارخة قد تكون الأساس الذي يعتمده القاضي المعيّن لمنح الأذن” وأن القاضي ليس في وضع يسمح له بالتحقق من المعلومات التي تقدّم له. [الفقرة ٤١]
نظرت المحكمة في عدم تنصيص قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها على اشعار الجهة المستهدفة بالمراقبة في أي مرحلة من مراحل العمليّة، لا قبلها ولا خلالها ولا بعدها. أقرّت المحكمة بأن الاشعار المسبق قد يحبط أغراض المراقبة، لكنها سألت عما إذا كان الاشعار اللاحق من شأنه أن يواجه خطر الإفلات من العقاب الذي يسببه قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات دون أن يتعارض مع الغرض من التشريع. بما أن المادتين ٤٢ (١) و٥١ من قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها تجرّمان الكشف عن الأمر بالتنصّت والاشعار به فقد شددت المحكمة على أنه إذا لم يكن هناك علم بالمراقبة، فلا يمكن أبدًا الطعن في شرعيتها. أضافت أنّ هذا المستوى المحدود من المساءلة “يحثّ ويسهّل بالتأكيد الانتهاكات التي ندرك جيّدًا وقوعها.” [الفقرة ٤٣]
أجرت المحكمة تحليلًا للقوانين الأجنبية التي تشترط الاشعار اللاحق للمراقبة وعلقت قائلة إنه على الرغم من أنه “لا يوجد توافق في الآراء بشأن متى وكيف يكون الاشعار اللاحق للمراقبة ضمانة ضرورية للغاية للحق في الخصوصية، فالدّراسة المقارنة للممارسات تدعم الاستنتاج القائل بأن اعتماد شكل من أشكال الإشعار هو أمر حاسم للحد من إساءة الاستخدام.” [الفقرة ٤٦] حيث يوجد في الولايات المتحدة وكندا نظام للإشعار في غضون ٩٠ يومًا من المراقبة وتفرض كلّ من الدنمارك وألمانيا الاشعار إذا كان لا يقوض الغرض من المراقبة. أشارت المحكمة إلى قضيتين بتّت فيهما المحكمة الأوروبيّة لحقوق الانسان وهما قضيّة رابطة التكامل الأوروبي وحقوق الإنسان و إكيمجييف ضد بلغاريا وقضية ويبر وسارافيا ضد ألمانيا واستنتجت أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان “تربط الاشعار بما إذا كان لا يقوض الغرض من المراقبة.” [الفقرة ٤٧]
لاحظت المحكمة أنه في قضيّة الحال، لم تقدم الجهات الحكوميّة المدّعى عليها “سببًا مقنعًا” لعدم وجود إشعار لاحق للمراقبة وعلقت قائلة إن السبب في ذلك هو أنه لا يمكن وجود “أي سبب مشروع يجعل الدولة ترغب في إبقاء حقيقة المراقبة السابقة سرًا إلى الأبد.” [الفقرة ٤٨]
بناءً على ذلك، رأت المحكمة أن عدم وجود مجال للانتصاف في مرحلة ما بعد المراقبة، عندما لا وجود لأيّ خطر لتقويض الغرض من المراقبة، يعني أن قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها فضفاض للغاية، وأن الاشعار اللاحق للمراقبة من شأنه أن يشكّل تقييدًا أقل حدّة للحق في الخصوصية. لاحظت المحكمة أن الاشعار سيكون له غرضان: تمكين الجهة أو الشخص المستهدف بالمراقبة من فرصة للطعن في المراقبة وتقليل إساءة استخدام العملية من قبل الوكالات الحكوميّة. أوضحت المحكمة أن الاشعار اللاحق هو ما يفترض العمل به وأنّ العمل بخلاف ذلك هو ما يجب أن يأذن به القاضي المعين. لاحظت المحكمة أن إحدى الضمانات التي يمكن أن يعتمدها البرلمان هي المراجعة التلقائية لأوامر التنصّت نظرًا إلى أن أغلب مواطني جنوب أفريقيا ليست لهم الموارد المالية لإقامة دعاوى قضائيّة، لكنها شددت على أن عدم وجود مراجعة تلقائية لا يجعل من قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها غير دستوري.
ثم نظرت المحكمة في مسألة استقلال القاضي المعين وشددت على أن وجود ضمانات بشأن تعيين القاضي وولايته ووظيفته “أمر محوري في تقييم ما إذا كان قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها يفي بشروط الحد الأدنى المنصوص عليها في المادة ٣٦.” [الفقرة ٥٦] أقرّت المحكمة الحجج التي تقدّمت بها الدّولة بأنه يتوقع من القضاة عموما أن يتصرفوا بشكل مستقل، لكنها لاحظت أن “هذا لا يعني أن القضاة معصومون من الخطأ” وأنه بالتّالي “من الضروري اتخاذ تدابير إضافية لحماية الاستقلاليّة.” [الفقرة ٨٩] انتقدت المحكمة “السلطة التقديرية غير المحدودة” التي يتمتع بها وزير العدل في تسمية القاضي المعين ورأت أن “التعيين من طرف عضو في السلطة التنفيذية في ظروف غير محددة أو ظروف تفتقر تمامًا إلى الوصف والمعايير لا يفضي إلى تصور معقول للاستقلالية.” [الفقرة ٩٢] رأت المحكمة أيضًا أنه نظرًا لأن التعيينات تمت سرًا، فلا توجد إمكانية للرقابة والمساءلة الخارجيّة وأن قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها “غير دستوري طالما أنّه لا يوفّر ضمانات كافية لإصدار إذن قضائيّ مستقلّ بالتنصّت.” [الفقرة ٩٤]
رأت المحكمة أيضًا أن قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها غير دستوري طالما أنّه “يفتقر إلى ضمانات كافية لمعالجة كون طلب الحصول على إذن بالتنصّت يتمّ تقديمه والحصول عليه من طرف واحد.” [الفقرة ١٠٠]. أقرّت المحكمة أنّ المركز قبل بكون الغرض من المراقبة سينتفي إذا ما تمّ إشعار الأطراف الخاضعة للرّقابة مسبقًا لكن المشكلة المطروحة تتمثّل في كون القاضي المعيّن يتّخذ قراره بناءً فقط على طلبات من جانب الوكالة الحكوميّة التي تطلب الإذن بالمراقبة. أكّد المركزعلى أنّ طبيعة الطّلبات المقدّمة من طرف واحد للقاضي المعيّن تنتهك قاعدة “الاستماع إلى الطّرفين” وأنّه لا بدّ من اعتماد نوع من المسارات الحضوريّة الشاملة لأطراف النّزاع ربّما من خلال إدراج “نائب عام” في العمليّة.” [الفقرة ٩٧] على غرار المحكمة العليا، لم تحدد المحكمة طريقة معالجة هذا النقص الدستوري وقامت بإحالته إلى البرلمان.
نظرت المحكمة فيما إذا كان قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها يحتوي على ضمانات كافية لحماية المعلومات التي تم اعتراضها. تشترط المادة ٣٥ من القانون أن يحدد مدير مكتب مراكز التنصّت المعلومات التي يجب الاحتفاظ بها، لكن المحكمة لاحظت أن الأحكام الواردة في قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها لا تنصّ على أي توضيح بشأن نوع البيانات المعترضة وكيفية ومكان تخزينها وكيف يتمّ تأمينها وأغراض النّفاذ إلى البيانات المخزنة وإتلافها.
أشارت المحكمة مرة أخرى إلى قضية ويبر التي بتّت فيها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حيث حددت “المعايير الدنيا للإدارة السليمة لبيانات المراقبة” ولاحظت أنه دون هذه المعايير في قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها يظلّ خطر إساءة الاستخدام قائمًا. [الفقرة ١٠٧] بتطبيق هذا المعطى على تحليل القضية الحالية، رأت المحكمة أن قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها لم ينص على تدابير أقل تدخلًا مما جعل مدى تقييد الحق “أكثر استهجانًا”، وشددت على أنه لا توجد علاقة بين الغرض من المراقبة وعدم وجود ضمانات بشأن حماية البيانات التي تم الحصول عليها. [الفقرة ١٠٨] مرة أخرى، كررت المحكمة التأكيد على الأثر الذي قد تحدثه إمكانية الملاحقة القضائية في منع إساءة الاستخدام، وبالتالي حماية الخصوصية، وأشارت إلى أن المعلومات المتعلقة بالتطبيق الفعلي للمراقبة وترتيبها ونتائجها ستكون حيويّة لأي شخص يسعى إلى مراجعة الاذن بالتنصّت. عليه، رأت المحكمة أن قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها “غير دستوري طالما لم يحدّد على النّحو الكافي إجراءات لضمان الإدارة القانونيّة للبيانات التي تم الحصول عليها نتيجة للتنصّت على الاتصالات وعدم استخدامها أو التدخل فيها خارج نطاق القانون.” [الفقرة ١٠٨]
رفضت المحكمة النّظر في طلب منظّمة الخصوصية الدولية أن تقرّ المحكمة ضرورة أن ينصّ قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها على كيفية إدارة الدّولة والهيئات الخاصّة للبيانات، لأن المسألة لم تعرض على المحكمة بشكل صحيح وبالتالي لم يكن من المناسب البت فيها.
عند النظر في مسألة ما إذا كان ينبغي أن يتضمّن قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها حماية خاصّة للصحفيين والمحامين الخاضعين للمراقبة، أقرت المحكمة بأن هذه الفئات ليس لها حق مطلق في عدم التنصّت على اتصالاتها، لكنها شددت على أن الحق في حرية التعبير يحمي مصادر الصحفيين وأن اعتراض الاتصالات بين المحامي وموكله دون الاعتراف بالامتياز القانوني من شأنه أن ينتهك سيادة القانون. أشارت المحكمة إلى أن كندا والمملكة المتحدة توفران ضمانات تشريعية عندما يتعلق التنصّت باتصالات الصحفيين والمحامين، وذكرت أن “سرية الاتصالات بين المحامي وموكله ومصادر الصحفيين تكتسي أهمية خاصة في نظامنا الدستوري.” [الفقرة ١١٩] أشارت المحكمة إلى قضية خومالو ضد هولوميزا و بوساسا أوبريشن (بي تي واي) المحدودة ضد باسان في ما يتعلق بحماية المصادر الصحفية وثينت (بي تي واي) المحدودة ضد المدير الوطني للنيابة العامة و زوما ضد المدير الوطني للنّيابة العامة، للتذكير بأهمية امتياز السريّة القانوني. لاحظت المحكمة أن الأخذ بالاعتبار لهذه الانتهاكات الفجّة للحق في الخصوصية من شأنه أن يفضي إلى اعتماد تدابير أقل تدخلًا لتحقيق الغرض من المراقبة مع منع الانتهاكات غير المعقولة للحق. اعترفت المحكمة بأن مسألة الحقّ في السريّة لفائدة المهن الأخرى لم تثر أمام المحكمة ورفضت إصدار أي أحكام فيما يتعلق باتصالات الجهات الفاعلة في المجتمع المدني. أشارت المحكمة إلى قضية مركز قانون الطفل ضد شركة ميديا ٢٤ المحدودة التي جاء فيها أن “تحليل الحق في الخصوصية يكتسي طابعًا ملحًّا أكثر عندما يتعلق الأمر بالأطفال.” لكنها قضت أيضًا بأنّ المحكمة ليست في وضع يسمح لها بالبت في أحكام قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها بشأن اتصالات الأطفال. [الفقرة ١٢٢] عليه، قضت المحكمة بأنّ قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها “غير دستوري طالما لا يوفر، في حالة استهداف محاميين أو صحفيّين يمارسون المهنة، ضمانات إضافية للحدّ من خطر انتهاك سرية اتصالات المحامين وموكّليهم ومصادر الصحفيين.” [الفقرة ١١٩]
ثم نظرت المحكمة في مسألة دستورية المراقبة الشّاملة للاتصالات التي عرفتها المحكمة بأنها “التنصت على حركة الاتصالات عبر الانترنت الواردة والمغادرة لجنوب أفريقيا، بما في ذلك أشدّ المعلومات خصوصيّة مثل رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات عبر الفيديو والموقع وسجل التصفح.” [الفقرة ١٢٤] اعتبرت المحكمة أن المادة ٢ من قانون الاستخبارات الاستراتيجيّة الوطنيّة غير واضحة، ولم تحدّد “استلام المعلومات الاستخباراتية وتجميعها وتقييمها وتحليلها” أو كيفية “التقاط تلك المعلومات أو نسخها أو تخزينها أو توزيعها.” [الفقرة ١٣٤] كما أضافت أن قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها يحظر صراحة التنصّت على الاتصالات دون إذن صادر بموجب القانون ذاته. وبناءً على ذلك، رأت المحكمة أن المراقبة الشّاملة “غير قانونية وباطلة، حيث لا يوجد قانون يجيز ذلك.” [الفقرة ١٣٥]
رغم أن المحكمة أعلنت عدم دستورية قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها، إلا أنها علقت البطلان لمدة ثلاث سنوات لإتاحة الوقت للبرلمان لاعتماد قانون جديد. أقرّت المحكمة المخاوف المتعلقة بالفصل بين السلطات في المحكمة التي أمرت بالتّدابير المؤقتة، لكنها رأت أنه بالنظر إلى الانتهاكات الجسيمة للحق في الخصوصية وللفترة الزمنية المطوّلة التي منحت للبرلمان لمعالجة أوجه القصور، فإن “العدالة والإنصاف تمليان تخفيف أثر انتهاك الحقّ في الخصوصية بالأمر باتّخاذ التّدابير المؤقّتة المناسبة.” [الفقرة ١٤٤] فسرت المحكمة بعض المواد في القانون لتشترط عند طلب الاذن بالتنصّت إلى الكشف عمّا إذا كان الشخص المستهدف محاميًا أو صحفيًّا، وأنه في غضون ٩٠ يومًا من انتهاء الإذن بالتنصّت، يجب إبلاغ الجهة الخاضعة للمراقبة بذلك.
أصدر القاضي جافتا الحكم الذي ارتأته الأقليّة و الذي اختلف مع الأغلبيّة فقط بشأن ما إذا كان قانون تنظيم التنصّت على الاتصالات وتوفير المعلومات المتعلّقة بها يمكّن فعلًا وزير العدل من تعيين القاضي المعين.
يشير اتجاه الحكم إلى ما إذا كان الأخير يُوسع من مدي التعبير أم يُضيقه بناءً على تحليل للقضية.
أصدرت المحكمة الدستورية في جنوب أفريقيا حكمًا تاريخيًا أكدت فيه أنه في حين أن المراقبة تضطلع بدور في مكافحة الجريمة، لكنها لا يمكنها أن تنتهك الحق في الخصوصية بشكل غير معقول. يوفر الحكم معلومات أساسية عما يجب أن يحتويه القانون لضمان الحماية الكافية ضدّ التجاوزات وانتهاك الحقوق.
يوضح المنظور العالمي كيف تأثر قرار المحكمة بمعايير سواء من منطقة واحدة أو عدة مناطق.
تُشير أهمية هذه القضية إلى مدى تأثيرها وكيفية تغير مدى أهميتها بمرور الوقت.