التشهير / السمعة
صحيفة نداء الوطن ضد المدعي العام
لبنان
قضية مُنتهية الحكم ذو نتيجة مُتباينة
حرية التعبير العالمية هي مبادرة أكاديمية، ولذلك، نشجعك على مشاركة وإعادة نشر مقتطفات من محتوانا طالما لا يتم استخدامها لأغراض تجارية وتحترم السياسة التالية:
• يجب عليك الإشارة إلى مبادرة جامعة كولومبيا لحرية التعبير العالمية كمصدر.
• يجب عليك وضع رابط إلى العنوان الأصلي للتحليل القضائي أو المنشور أو التحديث أو المدونة أو الصفحة المرجعية للمحتوى القابل للتنزيل الذي تشير إليه.
معلومات الإسناد وحقوق النشر والترخيص لوسائل الإعلام المستخدمة من قبل مبادرة حرية التعبير العالمية متاحة على صفحة الإسناد الخاصة بنا.
هذه القضية متاحة بلغات إضافية: استعرضها بلغة أخرى: English
أكدت المحكمة الدستورية المجرية حكمي محكمتين أدنى درجة، واعتبرت المدوّن تيبي أتيا مذنبًا بتهمة القذف الجنائي. فقد استخدم المدوّن لغة فظة وبذيئة في منشورات عن شخصيتين إعلاميتين، هما إيدينا كولتشار وتشوتي، واللتان لجأتا لاحقًا إلى القضاء. وقد قبلت المحكمة الدستورية ما انتهت إليه المحاكم الأدنى من أن تصريحات المدوّن لم تتعلق بقضايا ذات مصلحة عامة وأن الشخصيتين الإعلاميتين لا تُعدّان من الشخصيات العامة. واعتبرت أن التصريحات كانت بذيئة ومسيئة وبالتالي انتهكت كرامة الشخصيتين الإعلاميتين.
في ٢٣ يناير ٢٠٢٠، نشر المدوّن المجري الشهير “مدوّنة الأب تيبي” منشورًا ردّ فيه تيبي أتيا على آراء وتصريحات أدلى بها شخصيتان إعلاميتان معروفتان، هما إيدينا كولتشار وتشوتي، بشأن شخصية إعلامية ثالثة. وقد استخدم المنشور لغة بذيئة وفظة، فوصف الشخصيتين الإعلاميتين بأنهما “قمامة إعلامية عديمة القيمة” واستعمل اللفظ البذيء”قابلات للمجامعة” (في إشارة إلى كونهما مجرد موضوع لإشباع جنسي دنيء). كما وصف أنشطة هاتين الشخصيتين الإعلاميتين بأنها تهدف إلى “النهب المنهجي والدعارة الإعلامية للأطفال”. ويتمتع المدوّن بمتابعة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تحظى منشوراته بشعبية واسعة هناك.
رفعت الشخصيتان الإعلاميتان المذكورتان في المدوّنة شكوى ضد المدوّن. حكمت محكمة المقاطعات المركزية في بست، بصفتها محكمة درجة أولى، أن المدوّن مذنب بتهمة القذف، وحكمت بوضعه تحت المراقبة لمدة عام واحد. وأقرت المحكمة بأن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي قد وسّع من نطاق من يمكن اعتباره شخصية عامة، لكنها خلصت في نهاية المطاف إلى أنه، على الرغم من أن الشخصيتين الإعلاميتين تنشران بانتظام صورًا على ملفاتهما الشخصية، فإنهما لا تشاركان في مناقشات عامة ذات شأن اجتماعي عام، وبالتالي لا يمكن تصنيفهما كشخصيات عامة لأغراض هذه الدعوى. وأضافت المحكمة أن الاستخدام غير المبرر للغة البذيئة والمهينة من قبل المدوّن انتهك خصوصية وكرامة الشخصيتين الإعلاميتين.
قدّم المدوّن استئنافًا أمام المحكمة الحضرية في بودابست، والتي أيدت في حكمها النهائي ما خلصت إليه محكمة الدرجة الأولى والعقوبة المقررة. وعند تقييم مسألة صفة الشخصية العامة، قبلت المحكمة الحضرية برأي محكمة الدرجة الأولى، وأشارت إلى أنه عندما تُناقَش قضايا ذات مصلحة عامة، فإن تقييم واجب الشخصية العامة في تحمّل بعض التعبيرات – ومن ثم مدى عدم مشروعية هذه التعبيرات – قد يتطلب أحيانًا موازنة دقيقة تستند إلى اعتبارات الحقوق الأساسية. وفي إطار هذه الموازنة، رأت المحكمة الحضرية أن مقاطع معينة من المدوّنة انتهكت كرامة الشخصيتين الإعلاميتين الشخصية، بينما أساءت مقاطع أخرى إليهما بصفتهما والدين.
وقدّم المدوّن شكوى دستورية إلى المحكمة الدستورية، طالبًا منها أن تعلن أن قرار المحكمة الحضرية في بودابست يتعارض مع القانون الأساسي وأن تبطله.
أصدرت المحكمة الدستورية حكمًا قدّم فيه أربعة قضاة آراءً متوافقة، بينما قدّم عضو واحد رأيًا مخالفًا. وكانت المسألة الجوهرية التي كان على المحكمة الفصل فيها هي ما إذا كانت تصريحات المدوّن تيبي أتيا مشمولة بحماية حرية التعبير أم أنها تقع في نطاق الإدانة بتهمة القذف.
أشارت المحكمة إلى أحكامها السابقة ذات الصلة في قراراتها ٧/٢٠١٤ (٧ مارس)، ١٣/٢٠١٤ (١٨ أبريل) و٣١٤٥/٢٠١٨ (٧ مايو)، وتطرقت إلى ما إذا كان الحكم النهائي قد طبّق المبادئ الدستورية ذات الصلة وقيّم بشكل صحيح العلاقة بين تعبيرات المدوّن ومسائل المصلحة العامة. وأوضحت أن الأوصاف البذيئة “قمامة إعلامية عديمة القيمة” و”قابلات للمجامعة” لا صلة لها إطلاقًا بالشؤون العامة أو بالكلام المرتبط بالشؤون العامة، وأنه رغم أن المدوّن “عرض مسألة ما إذا كان إشراك الأطفال في منصات التواصل الاجتماعي يُعتبر أمرًا أخلاقيًا بوصفها قضية عامة”، لم يكن هناك أي نقاش حول هذه المسألة بين المدوّن والشخصيتين الإعلاميتين. وخلصت المحكمة إلى أن المحكمة الحضرية في بودابست، عندما قررت أن التعبيرات كانت “غير مبررو ولا ترتبط بأي نقاش عام”، كانت “مبررة دستوريًا” في القول بأن هذه التصريحات “لا تستحق الحماية المعززة التي تكفلها حرية التعبير في النقاش الحر حول القضايا العامة.” [الفقرة ٢٦] وأشارت المحكمة إلى أنه حتى لو كانت تصريحات المدوّن مرتبطة بقضايا الشأن العام، فإن ذلك لا يعني أن الشخصيات الإعلامية ملزمة بتحمل تعبيرات تمس كرامتها الإنسانية.
حللت المحكمة دستورية تعليل المحكمة الحضرية الذي شكّل أساس إدانة المدوّن، أي استنتاجها بأن “الأسلوب الفظ والبذيء الذي اختاره المدوّن شكّل تعبيرات مهينة تقلل من قدر المدعيتين الخاصتين بصفتهما بشرًا، وبالتالي انتهكت كرامتهما الإنسانية وشرفهما”. [الفقرة ٢٨] واستعرضت المحكمة من جديد اجتهاداتها السابقة بشأن الحدود الجائزة لحرية التعبير في ضوء وجوب احترام الحق في الكرامة الإنسانية. وبالاستناد إلى المادة ٩(٤) من القانون الأساسي واجتهاداتها، قررت المحكمة أن الحد الفاصل لحرية التعبير هو احترام كرامة الآخرين الإنسانية. وأوضحت أن حرية التعبير لا تمتد إلى حماية التصريحات المجانية الخارجة عن نطاق النقاش العام – خصوصًا تلك التي تتعلق بالحياة الخاصة أو العائلية والتي يكون غرضها الوحيد الإهانة أو استخدام لغة جارحة أو مهينة أو إلحاق ضرر آخر – كما أنها لا تحمي الآراء المطروحة في ساحة النقاش العام عندما يكون مضمونها منتهكًا للجوهر غير القابل للمساس من الكرامة الإنسانية، بحيث يشكّل ازدراءً علنيًا وجسيمًا لمكانة الشخص. وأكدت المحكمة أن تجريم القذف يعكس قصد المشرّع في أن “المساس بالشرف ينتهك الكرامة الإنسانية، وأن ممارسة الحق في حرية التعبير لا يجوز أن تمس بشرف الآخرين. ويجب على المحاكم أن تدرك وتوازن الأبعاد الحقوقية الأساسية ضمن الإطار الذي يضعه التعريف القانوني لجريمة القذف.” [الفقرة ٥١]
اضطرت المحكمة للفصل في ما إذا كانت تعبيرات المدوّن قادرة على انتهاك الجوهر غير القابل للمساس من الكرامة الإنسانية؛ فإذا كان الأمر كذلك، فإن التعبير لا يتمتع بحماية دستورية. وبالاتفاق مع ما انتهت إليه المحاكم الأدنى، اعتبرت المحكمة أن الحكم النهائي قد عكس على نحو سليم “معايير المراجعة المطورة في اجتهادات المحكمة الدستورية بوصفها اعتبارات قانون دستوري”، واستنتج بحق أن تعبيرات “قمامة إعلامية عديمة القيمة” والمصطلح البذيء الدال على الإشباع الجنسي الدنيء (“قابلات للمجامعة”) – باعتبارها آراءً مسيئة بشكل استثنائي ترقى إلى إهانة لفظية للأم المعنية في القضية – قد انتهكت كرامة الشخصيتين الإعلاميتين وشرفهما وسمعتهما. [الفقرات ٥٥–٥٧]
واعتبرت المحكمة أيضًا وسيلة الاتصال الجماهيري المستخدمة وقصد المدوّن ورأت أن “الظرف الجوهري هو أن التعبيرات محل النزاع لم تُطلق في لحظة انفعال بل صيغت كتابة ونُشرت لاحقًا من قبل [المدوّن].” [الفقرة ٦٢] وأشارت إلى أن هذا “لا يكون ممكنًا إلا من خلال أفعال متعمدة صريحة ومباشرة، لا عن غير قصد. وبالتالي فقد فكّر [المدوّن] فيما فعله، وكان يقصد إهانة الشخصيتين الإعلاميتين وإلحاق الأذى بهما وإذلالهما، وهو ما يخرج كذلك عن نطاق حماية الحق الأساسي في حرية التعبير.” [الفقرة ٦٢]
وبناءً عليه، رأت المحكمة أن المحكمة الحضرية في بودابست قد توصلت إلى قرار صحيح دستوريًا، وتعرفت على السياق الحقوقي الأساسي ووازنته بشكل سليم، ومن ثم رفضت الشكوى الدستورية التي سعت لإثبات عدم دستورية الحكم النهائي وإبطاله.
في رأي متوافق، لفتت القاضية أغنيس تسينه الانتباه إلى دور الشخصيتين الإعلاميتين كمؤثرتين – وهو جانب رأت أن الهيئة لم تُبرز أهميته بشكل كافٍ في حكمها. وقالت إن “من الواضح أن [الشخصيتين الإعلاميتين] شخصيتان معروفتان على نطاق واسع (مؤثرتان) في الحياة العامة، تؤثران وتشكّلان الرأي العام. وهذا الدور يستند بلا شك إلى خيارهما الطوعي. ولهذه الأسباب يجب اعتبارهما شخصيتين عامتين.” [الفقرات ٨٦–٨٧] وأضافت أنه – بغض النظر عن هذه الاعتبارات – يمكن بالفعل إثبات انتهاك الكرامة الإنسانية.
وفي رأي متوافق آخر، خالفت القاضية إيلديكو هورخرنه د. ماروسي الأغلبية فيما يتعلق بتوصيف الشخصيتين الإعلاميتين كشخصيات عامة وبأبعاد المصلحة العامة في ممارسة المدوّن لحرية التعبير. وشددت على أن “ضعف الأطفال فيما يتعلق باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك مسألة قيام الآباء بعرض أطفالهم، تقع في صميم كل من البحث الأكاديمي والنقاش العام” مما يخلق “نقاشًا مجتمعيًا” مستمرًا.[الفقرة ٩٥] ورأت أن هذه مسألة نقاش عام. وأشارت إلى أن إحدى الشخصيتين الإعلاميتين “شخصية إعلامية – شخصية عامة استثنائية – لها حضور على وسائل التواصل الاجتماعي بمتابعين يقدَّرون بعدة مئات الآلاف، وتعرض أطفالها بانتظام على هذه المنصات باختيارها الخاص، وتمتلك تأثيرًا كبيرًا في تشكيل الرأي؛ وبالتالي فهي قادرة على استخدام أدوات الاتصال الجماهيري على نحو أوسع وأكثر فعالية من الفرد العادي في الرد على أي هجمات شخصية محتملة”، وهو ما يثير في رأيها الشك حول صواب معاملتها كشخصية خاصة. [الفقرة ٩٩] وأضافت القاضية ماروسي أن المحكمة كان بإمكانها رفض الشكوى الدستورية استنادًا إلى هذه الحجج. ورأت أن عبارة “الاستغلال المنهجي والدعارة الإعلامية للأطفال” تشكّل نقدًا جارحًا لكنها اعتبرتها شكلًا جائزًا من الرأي. [الفقرة ١٠٢]
أما في الرأي المخالف، فقد صرّح القاضي بالازش شاندَه بأن “المحكمة أخفقت في الاعتراف بصفة [الشخصيتين الإعلاميتين] كشخصيتين عامتين وبالطابع العام للنقاش، وهذا وحده كان يستوجب إلغاء القرار.” [الفقرة ١٦٥] وهنا اتفق مع الحجج الدستورية الواردة في الرأيين المتوافقين. ورأى أنه كان يجب اعتبار أساس إلغاء الحكم النهائي ليس مجرد أن تعبيرات المدوّن تدخل ضمن نطاق حرية التعبير، بل أن “المحكمة – بعد أن وازنت بشكل سليم صفة [الشخصيتين الإعلاميتين] كشخصيتين عامتين والطابع العام للنقاش – قد تخلص رغم ذلك إلى أن أسلوبًا معينًا في التعبير قد بلغ عتبة العقوبة، إذ إن حتى التقييمات غير المجانية للشخصيات العامة المرتبطة بالنقاش العام لا يمكن أن تكون بلا حدود.” [الفقرة ١٦٩] وخلص إلى أنه “من دون النظر السليم لهذه الجوانب وموازنتها، فإن قرار المحكمة يتعارض بالضرورة مع القانون الأساسي.” [الفقرة ١٦٩]
يشير اتجاه الحكم إلى ما إذا كان الأخير يُوسع من مدي التعبير أم يُضيقه بناءً على تحليل للقضية.
حكم المحكمة يؤكد أن التعبير الذي يمس الجوهر الراسخ لكرامة الإنسان لا يتمتع بحماية حرية التعبير، بغضّ النظر عن صفة الشخص المتضرر كشخصية عامة أو عن الطابع العلني للتواصل.
يوضح المنظور العالمي كيف تأثر قرار المحكمة بمعايير سواء من منطقة واحدة أو عدة مناطق.
تُشير أهمية هذه القضية إلى مدى تأثيرها وكيفية تغير مدى أهميتها بمرور الوقت.