التعبير السياسي, تنظيم المحتوى والرقابة عليه, حرية الصحافة
فاتن علي قيصر ضد سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية دوروثي شيا
لبنان
قضية مُنتهية الحكم يُعزز من حُرية التعبير
حرية التعبير العالمية هي مبادرة أكاديمية، ولذلك، نشجعك على مشاركة وإعادة نشر مقتطفات من محتوانا طالما لا يتم استخدامها لأغراض تجارية وتحترم السياسة التالية:
• يجب عليك الإشارة إلى مبادرة جامعة كولومبيا لحرية التعبير العالمية كمصدر.
• يجب عليك وضع رابط إلى العنوان الأصلي للتحليل القضائي أو المنشور أو التحديث أو المدونة أو الصفحة المرجعية للمحتوى القابل للتنزيل الذي تشير إليه.
معلومات الإسناد وحقوق النشر والترخيص لوسائل الإعلام المستخدمة من قبل مبادرة حرية التعبير العالمية متاحة على صفحة الإسناد الخاصة بنا.
هذه القضية متاحة بلغات إضافية: استعرضها بلغة أخرى: English
أصدرت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (“اللجنة”) قرارًا بمسؤولية مصر عن انتهاك المواد ١ و٢ و٣ و٥ و٩ و١٦ و١٨،و٢٦ من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (“الميثاق”). تتعلق القضية الراهنة بالاحتجاجات التي وقعت يوم ٢٥ مايو ٢٠٠٥ عند ضريح سعد زغلول ونقابة الصحفيين. تعرض أنصار حركة التغيير المصرية، الذين كانوا يدعمون تعديلًا دستوريًا للسماح بانتخابات رئاسية متعددة المرشحين في مصر، للاعتداء من قبل قوات مكافحة الشغب وأتباع الحزب الوطني الديمقراطي (“الحزب الوطني”)، الذي كان الحزب الحاكم في مصر وقت وقوع الأحداث. استُهدفت الضحايا بسبب كونهن إناثًا ومهنتهم كصحفيات وآرائهن السياسية. في هذا السياق، أكدت اللجنة أن الحق في حرية التعبير يُعد أحد الركائز الأساسية للحكم الديمقراطي؛ لذا يُتوقع من المسؤولين العموميين تحمل قدر أكبر من النقد نظرًا لكونهم شخصيات عامة. كما قضت اللجنة بأن حرية التعبير لا يمكن تقييدها بموجب الميثاق إلا إذا كان هذا التقييد يخدم غرضًا مشروعًا وكان متناسبًا وضروريًا في مجتمع ديمقراطي. وبالنظر إلى أن الضحايا كن صحفيات ومعظمهن شاركن في التظاهرة لنشر آرائهن حول التعديلات الدستورية وتوثيق الحدث، خلصت اللجنة إلى أن قيام الدولة المُدعى عليها بتسهيل الاعتداء على الضحايا يمثل انتهاكًا لحقهن في حرية التعبير بموجب المادة ٩ من الميثاق.
كان مقدمون البلاغ المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وINTERIGHTS، وهما منظمتان حقوقيتان تعملان نيابة عن نوال علي محمد أحمد، عبير العسكري، شيماء أبو الخير، وإيمان طه كامل. تناول البلاغ الاحتجاجات التي وقعت في ٢٥ مايو ٢٠٠٥ عند ضريح سعد زغلول، حيث قام مؤيدو حركة كفاية بالترويج لاستفتاء يهدف إلى تعديل المادة ٧٦ من الدستور المصري للسماح بترشح عدة مرشحين في انتخابات الرئاسة لعام ٢٠٠٥.
وفقًا للوقائع المقدمة من الأطراف، في ٢٥ مايو ٢٠٠٥، خطط مؤيدو حركة كفاية أيضًا لتنظيم مظاهرات أمام نقابة الصحفيين، حيث تعرضت الضحايا للاعتداء الجنسي والضرب والإهانة من قبل جهات غير حكومية ومسؤولين حكوميين أمام الشرطة. لم تتدخل الشرطة ولم تقدم المساعدة للضحايا. علاوة على ذلك، ظهر من الأدلة التي قدمها المتقدمون أن الضحايا تعرضوا أثناء الاحتجاج لمعاملة غير إنسانية ومهينة من قبل ضباط الشرطة المكلفة بمكافحة الشغب ومؤيدي الحزب الوطني الديمقراطي، الحزب الحاكم في مصر آنذاك. وقد نُفذت جميع هذه الهجمات ضد الضحايا بسبب جنسهن، ووظائفهن كصحفيات، وآرائهن السياسية.
بالنظر إلى ما سبق، قدم المتقدمون في هذه القضية الوقائع التالية:
أ) بالنسبة للضحية الأولى: نوال علي محمد أحمد
في ٢٥ مايو ٢٠٠٥، مرت نوال علي محمد أحمد أمام نقابة الصحفيين لحضور درس في اللغة الإنجليزية. على الرغم من أنها كانت صحفية، إلا أنها واجهت الاحتجاجات دون نية المشاركة فيها. ومع ذلك، تعرضت للاعتداء من قبل مؤيدي الحزب الوطني الديمقراطي الذين كانوا يعملون تحت إدارة الشرطة المكلفة بمكافحة الشغب. نُقلت لاحقًا إلى مستشفى المنيرة في اليوم نفسه، حيث تم تشخيص حالتها بـ”…جُرح كبير (١٠ سم) وعدة كدمات أصغر على صدرها وخدوش مرئية على ساقيها وقدميها.” [فقرة ٨].
في اليوم نفسه، قدمت الضحية شكوى إلى الشرطة لكنها واجهت العديد من الصعوبات، مثل رفض الشرطة تسجيل شهادتها وإفادة الشهود على الاعتداء. كما تلقت تهديدات من مسؤولين حكوميين لإجبارها على سحب شكواها.
ب) بالنسبة للضحية الثانية: شيماء أبو الخير
حضرت شيماء أبو الخير الاحتجاج لتغطية الأحداث نيابة عن صحيفة الدستور. تعرضت الضحية للاعتداء من قبل عملاء من جهاز أمن الدولة أثناء محاولتها تصوير المظاهرة والهجمات التي ارتكبت ضد أعضاء حركة كفاية.
نتيجة للهجوم “…تم فحص شيماء أبو الخير في مستشفى الهلال يوم ٣١ مايو ٢٠٠٥ وأكد التقرير الطبي وجود كدمات على كتفها الأيسر وذراعها اليسرى وظهرها.” [فقرة ١٢] قدمت الضحية الثانية شكوى أمام مكتب النيابة العامة لكن تم رفض تسجيل إفادات الشهود. كما تلقت تهديدات لإجبارها على سحب شكواها.
ج) بالنسبة للضحية الثالثة
الضحية الثالثة، صحفية في صحيفة الدستور، حضرت المظاهرة لدعم الاستفتاء وتغطية الحدث. تعرضت أيضًا للاعتداء من قبل ضباط الشرطة ومؤيدي الحزب الوطني الديمقراطي، حيث تم تعرية جسدها وضربها. قدمت شيماء أبو الخير شكوى، ولكن مرة أخرى رفضت الشرطة تسجيل إفادات الشهود. كما تلقت تهديدات لسحب شكواها.
د) بالنسبة للضحية الرابعة: إيمان طه كامل
حضرت إيمان طه كامل الحدث كصحفية ومؤيدة للاستفتاء. تعرضت للاعتداء من “…مجموعة من الرجال المجهولين الذين دفعوها إلى الحائط وضربوها على بطنها السفلى عدة مرات حتى سقطت على الأرض. كما زُعم أن أحد الرجال ركلها في منطقة الحوض بينما استمر الآخرون في ضربها وحاولوا نزع ملابسها.” [فقرة ١٧]
نتيجة للهجوم، اضطرت الضحية الرابعة للبقاء في مستشفى المرج لمدة يومين، حيث تلقت رعاية طبية بسبب الكدمات، وفقًا للتقرير الطبي بتاريخ ٣١ مايو ٢٠٠٥. في ٥ يونيو ٢٠٠٥، قدمت إيمان طه كامل شكوى إلى نيابة قصر النيل وتلقت تهديدات لسحب ادعاءاتها.
علاوة على ذلك، تم تصنيف قضايا الضحايا على أنها جنح وفقًا للمادة ٢٤٢ من قانون العقوبات المصري. في ٢٧ ديسمبر ٢٠٠٥، رفضت النيابة العامة شكاوى الضحايا لعدم وجود أدلة تحدد الجناة. بعد ذلك، استأنف الضحايا قرار النيابة العامة أمام غرفة الجنح المستأنفة بمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية. ومع ذلك، في ١ أبريل ٢٠٠٦، أيدت محكمة الاستئناف قرار النيابة العامة بعدم المقاضاة.
في ضوء عدم وجود سبل انتصاف قضائية محلية، في ١٨ مايو ٢٠٠٦، قدم المتقدمون شكوى أمام اللجنة يجادلون فيها، من بين أمور أخرى، بأن الدولة المدعى عليها قد انتهكت المواد ١ و٢ و٣ و٥ و٧(١)(أ) و٩(٢) و١٦ و١٨(٣)، و٢٦ من الميثاق. وفي نوفمبر ٢٠٠٦، أعلنت اللجنة قبول الشكوى في دورتها العادية الأربعين.
في هذه القضية، تمحور الموضوع الرئيسي حول ما إذا كانت الدولة المدعى عليها انتهكت التزاماتها الإيجابية تجاه الضحايا أدى إلى انتهاك المادة ٩ من الميثاق المتعلقة بالحق في حرية التعبير. في هذا الصدد، ادعى المتقدمون أن “…خلال أحداث ٢٥ مايو ٢٠٠٥، كصحفيين، كان الضحايا يحاولون فقط التعبير عن آرائهم السياسية ونشر هذه الآراء داخل البلاد.(…)تم منع الضحايا من ممارسة مهنتهم، وفي هذه العملية، تعرضوا للاعتداء الجنسي بما يخالف الحماية التي توفرها لهم المادة ٩(٢) من الميثاق الأفريقي.” [فقرة ٢٤١] ولم تقدم الدولة المدعى عليها أي عنصر ينفي مزاعم المتقدمين.
وفقًا للجنة، يُعد الحق في حرية التعبير أحد الركائز الأساسية للمجتمع الديمقراطي؛ بالتالي، فإن انتهاك هذا الحق ينعكس غالبًا على حقوق إنسان أخرى مكرسة في الميثاق. يتجلى الترابط بين حرية التعبير والحقوق الأخرى بوضوح أكبر في المسائل السياسية، حيث يصبح النقاش العام ومشاركة المدنيين مستحيلين دون احترام حق الأفراد في التعبير عن آرائهم ونشرها. في هذا الصدد، استشهدت اللجنة باجتهادها في قضية منظمة العفو الدولية وآخرون ضد السودان، حيث رأت أن حرية التعبير ضرورية لضمان المشاركة السياسية والتنمية الشخصية والوعي السياسي. وأكد هذا أيضًا في المادة ٢٧(٨) من الميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والإدارة الرشيدة، التي تنص على أن: “من أجل تعزيز الحوكمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تلتزم الدول الأطراف بتعزيز حرية التعبير وخصوصًا حرية الصحافة وتشجيع الإعلام المهني.” بالتالي، يُطلب من المسؤولين الحكوميين والقادة السياسيين عادةً تحمل درجة أعلى من النقد بالنظر إلى صفاتهم كأشخاص عموميين. [فقرة ٢٤٤]
بالمثل، رأت اللجنة أن انتهاك الحق في حرية التعبير يرتبط في الوقت نفسه بحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات، مما يعني أن “…عندما يتم تقييد حرية التعبير بشكل غير قانوني، لا يتم انتهاك حق الفرد فقط، بل أيضًا حق الآخرين في ‘تلقي’ المعلومات والأفكار.” [فقرة ٢٥٠] في القضية الحالية، حضر معظم الضحايا أحداث ٢٥ مايو ٢٠٠٥ بصفتهم صحفيين ومؤيدين لحركة كفاية. بالتالي، عندما اعتدت قوات الشرطة التابعة للدولة المدعى عليها على الضحايا جسديًا ونفسيًا، مما قيّد قدرتهم على توثيق الحدث ونشره، تم انتهاك حق الجمهور في الوصول إلى هذه المعلومات والآراء أيضًا.
في هذا السياق، لاحظت اللجنة أن حرية التعبير ليست امتيازًا مطلقًا؛ بالتالي، يمكن تقييدها أو الحد منها بموجب المادة ٢٧ من الميثاق عندما (١) تخدم غرضًا مشروعًا و(٢) تكون متناسبة مع الفائدة المراد تحقيقها و(٣) ضرورية في مجتمع ديمقراطي. كما يجب أن يُمارس التقييد في نطاق القانون، بمعنى أن يحترم المعايير والممارسات الدولية في هذا الشأن. ومع ذلك، رأت اللجنة في القضية الحالية أنه “لا يظهر من الأدلة المقدمة في هذا البلاغ أن هذا التقييد يقع ضمن المعنى المنصوص عليه في المبدأ الثاني(٢) من الإعلان، أي ‘مقرر بموجب القانون’ و’يخدم مصلحة مشروعة’ و’ضروري’ و’في مجتمع ديمقراطي’. علاوة على ذلك، لم تقدم الدولة المدعى عليها أي معلومات تشير إلى أن الضحايا، أثناء ممارستهم حقهم في حرية التعبير، كانوا يشكلون تهديدًا للأمن القومي أو المصلحة العامة.” [فقرة ٢٥٥]
بالإضافة إلى ذلك، تتحمل الدول الأطراف في الميثاق التزامات إيجابية، حيث يُطلب من الدول ليس فقط الامتناع عن انتهاك حقوق الإنسان، بل أيضًا اتخاذ تدابير كافية لضمان تمتع أصحاب الحقوق بحقوقهم داخل ولاياتها القضائية. مع ذلك، تم منع ضحايا القضية الحالية من نشر آرائهم وتوثيق أحداث ٢٥ مايو ٢٠٠٥ باستخدام القوة والعنف. خلال هذه الأحداث، لم تتدخل الشرطة أثناء تعرض الضحايا للاعتداء الوحشي، بل شجعت على هذه الاعتداءات وشاركت فيها.
علاوة على ذلك، حُرم الضحايا من حقهم في تحقيق دقيق لشكاواهم. هكذا، ظهر من الوقائع أن الأفعال التي نفذتها الدولة المدعى عليها لم تكن تهدف إلى حماية مصلحة مشروعة ضمن القانون ولم تكن ضرورية في مجتمع ديمقراطي. كما أن الحكومة لم تفِ بواجبها في استخدام جميع الوسائل المتاحة لضمان تمتع الضحايا بحقوقهم المكفولة في الميثاق. ونتيجة لذلك، رأت اللجنة أن الوقائع المعروضة أمامها تكشف عن انتهاك للمادة ٩ من الميثاق.
يشير اتجاه الحكم إلى ما إذا كان الأخير يُوسع من مدي التعبير أم يُضيقه بناءً على تحليل للقضية.
وسع القرار الحق في حرية التعبير من خلال تأكيد الدور الحاسم لحرية التعبير في الحفاظ على الديمقراطية وخلق وعي سياسي وتعزيز التنمية الشخصية وتشجيع مشاركة المدنيين في شؤون الدولة. في هذا السياق، رأت اللجنة أن أي شكل من أشكال الجهود التي تبذلها الدول الأطراف لتقييد الحق في حرية التعبير، والتي لا تكون ضرورية للديمقراطية ولا تخدم غرضًا مشروعًا ولا تكون منصوصًا عليها في القانون، يجب تجنبها ومعاقبتها. كما رأت اللجنة أن كون الضحايا جميعهم من الصحفيين، فإن منعهم من نشر آرائهم حول الاستفتاء وأحداث ٢٥ مايو ٢٠٠٥ يعد انتهاكًا أيضًا لحق الجمهور في الوصول إلى هذه المعلومات.
يوضح المنظور العالمي كيف تأثر قرار المحكمة بمعايير سواء من منطقة واحدة أو عدة مناطق.
تُشير أهمية هذه القضية إلى مدى تأثيرها وكيفية تغير مدى أهميتها بمرور الوقت.