تنظيم المحتوى والرقابة عليه, التشهير / السمعة, حرية الصحافة والإعلام, الحريات الرقمية
منصور ضدّ موقع اليوم السّابع
مصر
قضية مُنتهية الحكم يُعزز من حُرية التعبير
حرية التعبير العالمية هي مبادرة أكاديمية، ولذلك، نشجعك على مشاركة وإعادة نشر مقتطفات من محتوانا طالما لا يتم استخدامها لأغراض تجارية وتحترم السياسة التالية:
• يجب عليك الإشارة إلى مبادرة جامعة كولومبيا لحرية التعبير العالمية كمصدر.
• يجب عليك وضع رابط إلى العنوان الأصلي للتحليل القضائي أو المنشور أو التحديث أو المدونة أو الصفحة المرجعية للمحتوى القابل للتنزيل الذي تشير إليه.
معلومات الإسناد وحقوق النشر والترخيص لوسائل الإعلام المستخدمة من قبل مبادرة حرية التعبير العالمية متاحة على صفحة الإسناد الخاصة بنا.
هذه القضية متاحة بلغات إضافية: استعرضها بلغة أخرى: English
نظرت المحكمة الابتدائية بمنوبة، مساء يوم الخميس الموافق في ٢٠٢٠/٠٥/١٤، في ملف الذين تم إيقافهم من أجل الإساءة إلى الغير عبر الشبكة العمومية للاتصالات ونسبة أمور لموظف عمومي دون الإدلاء بما يثبت ذلك طبق أحكام الفصل ١٢٨ من المجلة الجزائية والفصل ٨٦ من مجلة الاتصالات.
تتمثل الوقائع مثلما جاءت بمنطوق محاضر الأبحاث بأنه وعلى إثر تقديم عدد ٣ أشخاص من ساكني منطقة منوبة من طرف دورية أمنية بتاريخ ٢٠٢٠/٠٤/٢٥ من أجل مخالفة قانون حظر التجوال، تولى هؤلاء الأشخاص التشهير بالدورية الأمنية ووصفها بأبشع النعوت على صفحات التواصل الاجتماعي عبر موقع فيسبوك واتهامهم بالرشوة.
تم إحالة المتهمين على قلم النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بمنوبة التي وبعد الاطلاع على محاضر البحث أحالت المتهمين على الدائرة الجناحية بذات المحكمة لمقاضاتهم من أجل “الإساءة إلى الغير عبر الشبكة العمومية للاتصالات ونسبة أمور لموظف عمومي دون الإدلاء بما يثبت ذلك طبق أحكام الفصل ١٢٨ من المجلة الجزائية والفصل ٨٦ من مجلة الاتصالات” (المذكورين أعلاه).
“حيث ضمنت المواثيق الإقليمية حرية التعبير وحمايتها.. “
هكذا أسست الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بمنوبة، برئاسة القاضية أنيسة التريشيلي وعضوية القاضيتين ريمة بن معتوق وحنان عمر، الحكم الصادر في حق المتهمين والذي انتهت فيه إلى القضاء ببطلان إجراءات التتبع والإذن بترك السبيل معتمدة في ذلك النص الأرفق بالمتهم بحسب المرسوم عدد ١١٥ لسنة ٢٠١١ المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر الصحافة مستبعدة أحكام الفصل ١٢٨ من المجلة الجزائية ومجلة الاتصالات (I).
ولم يفت محكمة الحكم موضع تعليقنا التطرق لتكريس حرية التعبير وحمايتها قضائياً تماشياً مع روح دستور الجمهورية الثانية – دستور ٢٠١٤- (II).
– تطبيق النص الأرفق بالمتهم (أحكام المرسوم عدد ١١٥ لسنة ٢٠١١ المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر):
ينص الفصل ٨٦ من مجلة الاتصالات على أنه “يُعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة واحدة وسنتين وبخطية من مئة إلى ألف دينار كل من يتعمد الإساءة إلى الغير أو إزعاج راحتهم عبر الشبكات العمومية للاتصالات”.
وينص الفصل ١٢٨ من المجلة الجزائية على أنه “يعاقب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها مئة وعشرون دينار كل من ينسب لموظف عمومي أو شبهه بخطب لدى العموم أو عن طريق الصحافة أو غير ذلك من وسائل الإشهار أموراً غير قانونية متعلقة بوظيفته دون أن يدلي بما يثبت صحة ذلك”.
وقد كان هذين الفصلين هما نصوص الإحالة للمتهمين على المحكمة وقد استبعدتهم المحكمة في تكييفها للأفعال المحال من أجلها المتهمين معتبرة أن هذه النصوص قد تم إلغائها بمقتضى المرسوم عدد ١١٥ لسنة ٢٠١١ الذي يتمتع بقيمة تشريعية ويلغي القوانين السابقة والمخالفة لمقتضياته أو استيعاب فصول سابقة من حيث تكييف الفعل الإجرامي وغيره..
وبالتالي فإن المحكمة اعتبرت أن المرسوم عدد ١١٥ لسنة ٢٠١١ المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، كونه يتمتع بقيمة تشريعية حسب الفصول ١ و٤ و٥ من مرسوم رقم ١٤ لسنة ٢٠١١، من شأنه أن يلغي الفصل ١٢٨ من المجلة الجزائية و٨٦ من مجلة الاتصالات طالما أنه نص على ذلك صراحة من ناحية وطالما كان هذين الفصلين منافيين له وقد استوعبت جميع فصوله هذين النصين. وفي هذا الإطار فإن الفصل ٧٩ من المرسوم عدد ١١٥ نص على أنه “تلغى جميع النصوص السابقة المخالفة وخاصة مجلة الصحافة”.
وحيث نص الفصل ٦٩ من المرسوم المذكور أعلاه أنه “تتم التتبعات في الجنح المرتكبة بواسطة الصحافة أو بأي وسيلة أخرى من وسائل الإعلام طبقا للأحكام التالية:
أولاً في صورة الثلب المنصوص عليها بالفصل ٥٥ من المرسوم وفي صورة الشتم المنصوص عليه بالفصل ٥٧ لا يتم التتبع إلا بشكاية من الشخص الموجه إليه الثلب أو الشتم..”.
وحيث ولما كانت الإحالة من أجل الإساءة للغير ونسبة أمور غير صحيحة لموظف عمومي مما يجعل جريمة الثلب والشتم تستوعب هذه الأفعال المنسوبة للمتهمين، قد اعتبرت المحكمة أنه “لا يستقيم لا واقعاً ولا قانوناً إحالة المتهم من أجل الثلب أو الشتم عبر منشورات إلكترونية بالفضاء الافتراضي الأزرق على معنى الفصل ٨٧ من مجلة الاتصالات والفصل ١٢٨ من المجلة الجزائية التي وقع استيعابها بموجب المرسوم المذكور وأصبحت نصوصاً لا عمل عليها”.
هذا وينص الفصل ٦٩ من المرسوم عدد ١١٥ لسنة ٢٠١١ على أنه “تتم إثارة التتبعات في الجنح المرتكبة بواسطة الصحافة أو بأي وسيلة أخرى من وسائل الإعلام طبقا للأحكام الآتية:
أوّلاً: في صورة الثلب المنصوص عليه بالفصل ٥٥ من هذا المرسوم وفي صورة الشتم المنصوص عليه بالفصل ٥٧ من هذا المرسوم لا يتم التتبع إلا بشكاية من الشخص الموجه إليه الثلب أو الشتم. على أنه يمكن القيام بالتتبع رأساً من طرف النيابة العمومية إذا كان الثلب أو الشتم موجهاً إلى فئة من الأشخاص ممن ينتمون إلى أصل أو إلى عرق أو إلى دين معين وكانت الغاية منه التحريض على التباغض بين الأجناس أو الأديان أو السكان وذلك باستعمال الأعمال العدائية أو العنف أو إلى نشر أفكار قائمة على التمييز العنصري طبقا لأحكام الفصل 52 من هذا المرسوم،
ثانياً: في صورة الثلب أو الشتم الموجه ضد شاهد لا يتم التتبع إلا بشكاية صادرة عن الشاهد الذي يدعي أن الثلب والشتم موجه ضده،
ثالثاً: في صورة الثلب أو الشتم الموجه ضد رؤساء الدول والحكومات الأجنبية ورؤساء البعثات الدبلوماسية فإن التتبع يتم بطلب من المعتدى عليه. ويوجه الطلب إلى وزارة الشؤون الخارجية التي تحيله على وزارة العدل للإذن بإجراء التتبع”.
وحيث جاء بالفصل ٧٢ من ذات المرسوم أنه يجب أن يبين بالإستدعاء أو التنبيه وصف الفعل المشتكى منه والنص القانوني الذي ينبني عليه القيام، وإذا وقع الاستدعاء من صاحب الشكاية ينبغي أن يحتوي على تعيين مقره بالمدينة المنتصبة بها المحكمة المرفوعة لديها الدعوى ويقع تبليغ ذلك لكل من المتهم والنيابة العمومية وإلا بطل التتبع.
ولا يقل الأجل بين تبليغ الاستدعاء والحضور لدى المحكمة عن عشرين يوما”<
وحيث أنه تطبيقا لهذه الفصول فإن إجراءات التتبع في جرائم الثلب هي إجراءات أساسية ينجر عن عدم مراعاتها البطلان ضرورة أنه جاءت في صيغة الوجوب.
ولما كانت التتبعات وفق المرسوم لا يمكن أن تتم إلا إثر شكاية يتقدم بها المتضرر فلا يمكن تتبع المتهمين في قضية الحال بموجب محضر من طرف الضابطة العدلية وإحالة من النيابة دون شكاية من طرف المتضرر، ذلك أن هذه الجريمة تخضع الى شكليات في التتبع، وبعدم احترامها يكون التتبع باطلاً ويليه بطلان كامل الإجراءات اللاحقة..
– تكريس الحريات وحمايتها:
بسماع المتهمين من قبل المحكمة أكد ثلاثتهم أنَّ تدويناتهم لم تكن لها صلة بأعوان الأمن أو التحريض عليهم وإنما هي لنقد وفضح التصرفات والمعاملات المشبوهة في جميع المجالات دون تحديد”.
وتماشياً مع تصريحات المتهمين اعتبرت المحكمة أنه تكريساً للحريات بصفة عامة وحرية التعبير خاصة وتطبيقا للفصل ١٩ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أن “لكل إنسان الحق في اعتناق آراء دون مضايقة ولكل إنسان الحق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود…”.
اعتمدت المحكمة واستندت على المواثيق الإقليمية من ذلك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والاتفاقية الأمرية لحماية حقوق الإنسان، لتببن أن حرية التعبير هي حق الرأي وهو الركن الأساسي في كافة الحقوق الممنوحة للإنسان في المواثيق والعهود الدولية ذلك أن المادة ١٣ من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان قد اعتبرت أن “لكل إنسان الحق في حرية الفكر والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في البحث عن مختلف أنواع المعلومات والأفكار ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود سواء شفاهية أو كتابة أو طباعة..”.
كما أيدت المحكمة حكمها وأثرته بالرجوع إلى ما أكدته المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان التي اعتبرت أن “حق حرية التعبير يشكل واحدا من الأسس الجوهرية لمجتمع ديمقراطي وأحد الشروط الأساسية لتقدم وتنمية الإنسان”.
وقد اعتبرت المحكمة أن مصادقة الدولة التونسية على هذه الاتفاقيات والمعاهدات تقيم في حقها المسؤولية في الالتزام بما تضمنته بنودها،
وفي هذا الإطار فقد اعتبرت المحكمة أنها تنتصب حامياً للحقوق والحريات وتعد الجهة الأساس التي تكرس حق الإنسان في التفكير بلا قيد أو شرط أو حقه في الاختلاف في التفكير عن غيره كما تنتصب حامياً لحقه في التعبير عن رأيه ونشره في مختلف الحوامل المكتوبة والمرئية والسمعية..”.
وحيث اعتبرت المحكمة أنه وبتطبيق مقتضيات المرسوم عدد ١١٥ لسنة ٢٠١١ على وقائع قضية الحال يتضح أنه لم يقع احترام شكليات التتبع مما يمس من مصلحة المتهم الشرعية.
يشير اتجاه الحكم إلى ما إذا كان الأخير يُوسع من مدي التعبير أم يُضيقه بناءً على تحليل للقضية.
يشكّل القرار حماية لمفهوم حرية التعبير وحرية الرأي وتفعيل جدي وواقعي لروح النصوص القانونية ومكنونها في ضمان لحقوق المتهم الشرعية وضمان المحاكمة العادلة وضمان حق كل إنسان في الاختلاف في التفكير والتعبير عن رأيه علناً ونشره في حدود الضوابط القانونية التي تبقى استثناء لا يجوز التوسع فيه.
يوضح المنظور العالمي كيف تأثر قرار المحكمة بمعايير سواء من منطقة واحدة أو عدة مناطق.
تُشير أهمية هذه القضية إلى مدى تأثيرها وكيفية تغير مدى أهميتها بمرور الوقت.