هجمة السلطات المصرية على الإعلام الأجنبي.. عامان من التهديدات وحملات التشويه

Key Details

  • المنطقة
    الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
  • المحاور
    تنظيم المحتوى والرقابة عليه

تم نشر هذا التقرير في الأصل من قِبل مؤسسة حرية الفكر والتعبير، وتم إعادة نشره هنا بإذن منها.

منهجية

يعتمد التقرير على البيانات الرسمية الصادرة عن الهيئة العامة للاستعلامات بشأن بعض التقارير المنشورة في وسائل إعلام أجنبية. رصد الباحث هذه البيانات في الفترة من ٦ يونيو ٢٠١٧ إلى ٥ يونيو ٢٠١٩. تم رصد البيانات الصادرة عن هيئة الاستعلامات منذ تاريخ تعيين ضياء رشوان رئيسًا للهيئة ولمدة عامين. كما يعتمد التقرير على تحليل عدد من التصريحات الإعلامية الصادرة عن رئيس الهيئة العامة للاستعلامات بشأن وسائل الإعلام الأجنبية، خلال الفترة التي يغطيها التقرير.

يعتمد التقرير على ٧ مقابلات مع صحفيين، أجرى الباحث من بينها ٦ مقابلات بشكل مباشر، بينما تمت مقابلة واحدة من خلال إرسال الأسئلة عبر البريد الإلكتروني. تم مراعاة تعدد الجهات التي يعمل بها هؤلاء الصحفيون، وأن يكون من بينهم صحفيون مصريون يعملون بوسائل إعلام أجنبية. تم تجهيل أسماء الصحفيين وأماكن عملهم، وذلك حفاظًا على سلامتهم ووفقًا لطلبهم. يعرض التقرير مضمون المقابلات باستخدام أسماء مستعارة للصحفيين. كما تم تجهيل بعض المعلومات التي من شأنها تحديد هوية الصحفيين المستجيبين، تجنبًا لتعرضهم لمخاطر أمنية. أجريت المقابلات خلال الفترة من ٩ يناير ٢٠١٨ إلى ١١ يوليو ٢٠١٨. ويعتمد التقرير كذلك على تحليل القوانين المصرية ذات الصلة بعمل وسائل الإعلام الأجنبية.

مقدمة

عمدت السلطات المصرية في اﻵونة الأخيرة إلى التضييق على وسائل الإعلام الأجنبية، وهذا ما أظهرته بيانات رسمية صادرة عن هيئة الاستعلامات تارة، ووقائع تعرض فيها صحفيون أجانب للترحيل من البلاد أو المنع من دخولها تارة أخرى. وإضافة إلى ذلك، أطلقت السلطات المصرية حملات تشويه مستمرة في وسائل الإعلام المحلية، بغرض إظهار وسائل الإعلام الأجنبية كجزء من مؤامرة على الأمن والاستقرار في مصر. ولا يمكن النظر إلى الهجمة على الإعلام الأجنبي بمعزل عن سياسة السلطات المصرية، التي تهدف من خلالها إلى تجنب الانتقادات الدولية لملف حقوق الإنسان في مصر.

وترتكز هذه السياسة على شل قدرة منظمات المجتمع المدني على العمل، وسن حزمة من التشريعات المقيِّدة لحرية الإعلام والحقوق الرقمية، بحيث يصبح استهداف الإعلام الأجنبي _ويعد النافذة الأخيرة للحصول على المعلومات_ بمثابة ممارسة رئيسية لمنع وصول المعلومات _عن حقيقة الأوضاع في مصر_ إلى الجهات الدولية المعنية بحقوق الإنسان. من جانب آخر، تمثل وسائل الإعلام الأجنبية الناطقة بالعربية مصدرًا للمعلومات يمكن للجمهور المصري الاستفادة منه، ولا تملك السلطات المصرية القدرة على رقابته وتوجيه الرسائل السياسية من خلاله، على النقيض من وضع الإعلام المحلي.

كانت الهيئة العامة للاستعلامات هي المحرك الرئيسي لهذه الممارسات ضد وسائل الإعلام الأجنبية. وتتبع الهيئة العامة للاستعلامات رئاسة الجمهورية، وتم تأسيسها في الستينيات في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، بغية أن تكون جهازًا للعلاقات العامة للدولة. ويثير استمرار هذه الهيئة في العمل حتى وقتنا هذا الجدل، حيث وصف هشام قاسم، وهو خبير بمجال الإعلام، الهيئة العامة للاستعلامات بأنها “جهاز سوفييتي انتهى دوره مع انتهاء الحرب الباردة”، وذلك في تصريح صحفي.

والأمر اللافت أنه لا توجد تغيرات جوهرية في صلاحيات هيئة الاستعلامات منذ إنشائها وحتى وقتنا هذا، كما أن مؤسسة الرئاسة لم تعلن عن إصدار توجيهات إلى هيئة الاستعلامات بممارسة الرقابة على الإعلام الأجنبي. وعلى الأرجح، فإن المتغير الوحيد الذي لحق بهيئة الاستعلامات، خلال الفترة التي يغطيها التقرير، كان وصول ضياء رشوان إلى منصب رئيس الهيئة.

يتمتع رشوان بخبرة في البحث والصحافة، وتم انتخابه في مارس ٢٠١٩ نقيبًا للصحفيين، بعد امتناع النقيب السابق عبد المحسن سلامة عن الترشح لدورة ثانية، وكلاهما من الصحفيين الذين يؤيدون السلطة الحالية ويدعمون سياسات الرئيس السيسي. وعلى اﻷرجح، جاء الدفع بضياء رشوان في انتخابات نقابة الصحفيين وهو ما يزال يشغل منصب رئيس الهيئة العامة للاستعلامات كتقدير لجهوده في التضييق على وسائل الإعلام الأجنبية العاملة في مصر.

ويمكن القول إن رشوان قد صاغ سياسة جديدة لهيئة الاستعلامات، لكي تتحول إلى جهة للتضييق والضغط على الإعلام الأجنبي، ويرجح بعض من أجرى معهم الباحث مقابلات أن ذلك التحول تم بالتعاون مع جهات سيادية، ترغب في وجود جهة رسمية غير أمنية في واجهة الضغط على الإعلام الأجنبي.

وثمة وقائع وتطورات عديدة تم التطرق إليها في تقارير سابقة أصدرتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير، وكذلك في تقارير صحفية وإعلامية في وسائل إعلام أجنبية ومحلية، ولكن هذا التقرير يهدف إلى تقديم قراءة أوسع ﻷبعاد وتفاصيل الهجمة على وسائل الإعلام الأجنبية. فليس كافيًا هنا أن نشير إلى دور الهيئة العامة للاستعلامات، والتي يقع على عاتقها إصدار تصاريح العمل للصحفيين الأجانب، وقامت في اﻵونة الأخيرة بتتبع تقاريرهم وانتقادها، إنما يتطرق التقرير ومن خلال مجموعة من المقابلات التي أجراها الباحث مع صحفيين أجانب ومصريين يعملون في وسائل إعلام أجنبية إلى الجانب المسكوت عنه، وهو الجانب المتعلق بالتهديدات المباشرة وغير المباشرة التي يتلقاها الصحفيون، وإلى أي مدى أثرت هجمة السلطات المصرية على عملهم. ويحاول التقرير أن يمثل أصوات الصحفيين، الذين يتعرضون لضغوط وانتهاكات مستمرة من قِبَل السلطات المصرية.

وعلى مستوى آخر، يقدم التقرير قراءة قانونية لحجم الصلاحيات، التي يمنحها القانون للهيئة العامة للاستعلامات، والمعايير التي تحكم علاقتها بالصحفيين الأجانب ووسائل الإعلام الأجنبية، في محاولة للإجابة عن تساؤلات متعددة حول مدى قانونية ممارسات الهيئة العامة للاستعلامات تجاه اﻹعلام الأجنبي.

يصدر هذا التقرير بعد مرور عامين على تعيين ضياء رشوان رئيسًا للهيئة العامة للاستعلامات، وخلال هذه الفترة أطلقت السلطات المصرية حملتها ضد وسائل الإعلام الأجنبية، وكانت الهيئة العامة للاستعلامات بمثابة الأداة الأساسية للسلطات المصرية في إطلاق حملتها المناوئة للإعلام الأجنبي، سواء من خلال تهديد الصحفيين ووسائل الإعلام، أو تشويه الإعلام الأجنبي على المستوى المحلي.

Authors

محمد عبد السلام

مدير الوحدة البحثية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير