تنظيم المحتوى والرقابة عليه, الوصول إلى معلومات عامة
قضيّة المشروبات السكريّة
كولومبيا
قضية مُنتهية الحكم يُعزز من حُرية التعبير
حرية التعبير العالمية هي مبادرة أكاديمية، ولذلك، نشجعك على مشاركة وإعادة نشر مقتطفات من محتوانا طالما لا يتم استخدامها لأغراض تجارية وتحترم السياسة التالية:
• يجب عليك الإشارة إلى مبادرة جامعة كولومبيا لحرية التعبير العالمية كمصدر.
• يجب عليك وضع رابط إلى العنوان الأصلي للتحليل القضائي أو المنشور أو التحديث أو المدونة أو الصفحة المرجعية للمحتوى القابل للتنزيل الذي تشير إليه.
معلومات الإسناد وحقوق النشر والترخيص لوسائل الإعلام المستخدمة من قبل مبادرة حرية التعبير العالمية متاحة على صفحة الإسناد الخاصة بنا.
هذه القضية متاحة بلغات إضافية: استعرضها بلغة أخرى: English
في ١٤ أكتوبر ٢٠٢٠، أمر قاضي الأمور المستعجلة في بيروت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية اللبنانية بإلغاء قرارها بمنع قناة MTV المحلية من دخول القصر الرئاسي والسماح لها بالوصول إلى المناطق المخصصة لوسائل الإعلام، أسوةً بجميع المؤسسات الإعلامية الأخرى. كانت مديرية الرئاسة قد فرضت هذا المنع على القناة بسبب استمرارها في عدم احترام الرئيس وتوجيه الإهانات له، مشيرةً إلى أن رفع الحظر سيكون مشروطًا بإعادة النظر في نهج القناة الهجومي تجاه الرئيس.
اعتبرت المحكمة أن الحظر تجاوز نطاق سلطة مديرية الرئاسة وشكّل نوعًا من الرقابة المسبقة التي تنتهك حرية الصحافة. كما أكدت المحكمة أن هذا الحظر خرق حقوق مقدمة الطلب في الوصول إلى المعلومات وحرية التعبير المكفولة بموجب المادة ١٣ من الدستور اللبناني.
في ٣١ أغسطس ٢٠٢٠، تم منع فريق مراسلي شبكة التلفزيون المحلية MTV في بيروت من دخول القصر الرئاسي بموجب قرار صادر عن مديرية الرئاسة لتغطية الاستشارات النيابية لتسمية رئيس وزراء جديد. بعد ذلك، أصدرت مديرية الرئاسة بيانًا أفادت فيه بأنها منعت مراسلي MTV من تغطية عدد من الأحداث في القصر الرئاسي بدعوى عدم احترام القناة لمقام رئيس الجمهورية، وذكر اسمه فقط دون لقبه، بالإضافة إلى الهجمات المتكررة عليه. كما أوضحت مديرية الرئاسة أنها بذلت أقصى الجهود لإلزام القناة بتغيير موقفها العدائي تجاه الرئيس دون جدوى.
وفي مناسبة أخرى، تم منع فريق MTV مرة أخرى من دخول القصر الرئاسي لتغطية زيارة الرئيس الفرنسي. نتيجة لذلك، رفعت MTV دعوى أمام قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، طالبةً إصدار قرار يلزم مديرية الرئاسة بالتراجع عن قرار المنع المفروض على القناة. وقد جادلت MTV (المدعية) بأن هذا القرار التمييزي غير المبرر الذي أصدرته مديرية الرئاسة (المدعى عليها) ينتهك حقوق القناة في حرية الصحافة وحرية التعبير بموجب القانون الوطني والدولي.
أصدرت القاضية كارلا شواح، قاضية الأمور المستعجلة في بيروت، قرارًا منفردًا بهذا الشأن.
تمثلت القضية الرئيسية أمام المحكمة في تحديد ما إذا كان القرار الصادر عن المدعى عليه ينتهك حق الشركة المدعية في حرية التعبير من خلال منع مراسليها من دخول القصر الرئاسي لتغطية شؤون الدولة.
من جهة، جادلت الشركة المدعية بأن قرار المنع يعد تعديًا على حقوقها المحمية كوسيلة إعلامية بموجب الدستور اللبناني والمواثيق الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والميثاق العربي لحقوق الإنسان. كما أشارت MTV إلى أن القرار يتعارض مع قانون الوصول إلى المعلومات وقانون حماية المبلغين في لبنان.
من جهة أخرى، دافع المدعى عليه عن قرار المنع بالاستناد إلى واجبه في الحفاظ على كرامة الرئاسة ومقام رئيس الجمهورية، مؤكدًا أن هذا الإجراء كان أقل من الطبيعي رغم الإهانات المتكررة التي وجهتها القناة للرئيس. كما زعم المدعى عليه أن مقر الرئاسة ومحل إقامة الرئيس يتمتعان بخصوصية من حيث الإجراءات التنظيمية والأمنية والبروتوكولية، وأنه لا يجوز لأي فرد أو جهة تعديل قواعد الدخول تحت ذريعة حرية الإعلام وحرية التعبير. كما انتقد المدعى عليه استناد الشركة المدعية إلى السوابق القانونية الدولية والمقارنة في دعواها.
أشارت المحكمة إلى مبدأ “الاعتداء الصارخ” (voie de fait)، والذي يتيح للقضاء التدخل لوقف انتهاكات الإدارة الجسيمة لحقوق الملكية والحريات العامة. يتحقق هذا الانتهاك عندما تتضمن تصرفات الإدارة عيبًا جسيمًا أو خرقًا ظاهرًا بحيث لا يمكن اعتبارها تطبيقًا للقانون العام أو ممارسة لصلاحيات إدارية. بارتكاب هذا الانتهاك، تضع الإدارة نفسها خارج نطاق القانون العام وتفقد الامتيازات الممنوحة للسلطة العامة، بما في ذلك الامتياز الخاص بالتقاضي أمام المحاكم الإدارية.
تناولت المحكمة أولًا مسألة ما إذا كان قرار المنع الصادر عن الرئاسة يقع ضمن السلطات القانونية الموكلة إليها. وخلصت المحكمة إلى أن قرار المنع تجاوز صلاحيات المدعى عليه ولا يدخل ضمن سلطاته القانونية. رأت المحكمة أن صلاحيات المدعى عليه تقتصر فقط على تنظيم أوقات وتواريخ الدخول إلى القصر والمناطق التي يمكن لوسائل الإعلام الوصول إليها. لا تملك الرئاسة أي سلطة قانونية لمنع وسيلة إعلامية من دخول القصر الرئاسي. كما أشارت المحكمة إلى أن القرار لم يحقق متطلبات المصلحة العامة، حيث سمح المدعى عليه لجميع الوسائل الإعلامية الأخرى بتغطية هذه الأحداث، بينما منع المدعية وحدها. اعتبرت المحكمة أن القرار صدر لتحقيق مصلحة خاصة للرئيس، أي قمع أي معارضة له، ووصفت القرار بأنه كان خاطئًا وغير مبرر وكأنه انتقام من المدعية.
أكدت المحكمة أن المدعى عليه لم يتجاوز سلطاته فقط، بل انتهك أيضًا بشكل ضمني مبدأ الفصل بين السلطات. حيث استخدم سلطاته لتحقيق غرض أجنبي عن تنظيم الدخول إلى القصر الرئاسي. ولاحظت المحكمة أنه رغم الضغوط السابقة التي مارسها المدعى عليه على الشركة المدعية لتغيير موقفها الإعلامي تجاه الرئيس، فإن المدعى عليه تجاوز صلاحياته من خلال استناد قراره إلى رفض الشركة المدعية تغيير نهجها النقدي تجاه رئيس الجمهورية. ورأت المحكمة أن هذا الضغط على أي وسيلة إعلامية لتتوافق مع ما تراه الإدارة مناسبًا دون أي أساس قانوني يقوض بشكل أساسي حرية الصحافة والإعلام.
ثانيًا، بحثت المحكمة ما إذا كان قرار المدعى عليه ينتهك الحق الأساسي في حرية التعبير المكفول في الدستور اللبناني وفقًا للقانون الدولي، وبالأخص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والميثاق العربي لحقوق الإنسان. أوضحت المحكمة أن حرية الإعلام والوصول إلى المعلومات مترابطتان، وأكدت أن قرار المدعى عليه بمنع مراسلي المدعية انتهك حرية التعبير لأنه حال دون وصول الجمهور إلى المعلومات، وهو شرط أساسي لعمل الإعلام بشكل صحيح. كما شددت المحكمة على أن حرية التعبير لها جانبان: جمع المعلومات وحرية الوسيلة الإعلامية في استخدامها.
علاوة على ذلك، رأت المحكمة أن القصر الرئاسي ليس ملكية خاصة للإدارة، بل مرفق عام يقدم خدمة عامة. لذلك، رفضت المحكمة ادعاء المدعى عليه بأن القصر الرئاسي يتميز بخصوصية أمنية وبروتوكولية وتنظيمية.
أخيرًا، ذكرت المحكمة أن قرار المدعى عليه بمنع المراسلة انتهك أيضًا حق المساواة الأساسي للمدعية، وهو ركيزة أساسية في الأنظمة الديمقراطية. حيث أن المدعى عليه منع مراسلي المدعية فقط من الوصول إلى القصر الرئاسي دون سبب وجيه، بينما سمح لجميع وسائل الإعلام الأخرى بالدخول.
وفي الختام، أمرت المحكمة المدعى عليه بالتراجع عن قرار المنع والسماح فورًا لمراسلي الشركة المدعية بدخول الأماكن المخصصة لجميع وسائل الإعلام لتغطية شؤون الدولة. كما فرضت المحكمة غرامة قدرها ٣ ملايين ليرة لبنانية (١,٩٩٠ دولار أمريكي) على كل من يخالف هذا الحكم.
يشير اتجاه الحكم إلى ما إذا كان الأخير يُوسع من مدي التعبير أم يُضيقه بناءً على تحليل للقضية.
الحكم وسّع حرية التعبير ونطاق مبدأ “الاعتداء الصارخ” الذي يمنح القضاء صلاحية إلغاء انتهاكات الحقوق الأساسية التي ترتكبها الإدارة العامة. في حين أن المحاكم اللبنانية طبقت هذا المبدأ سابقًا في حالات محدودة، مثل التعديات على الملكية العامة أو حالات الاعتقال التعسفي، فإن التفسير الواسع لهذا المبدأ في هذه القضية، لا سيما فيما يتعلق بتوسيع نطاق تطبيقه ليشمل الحق في المساواة، سيزيد من هامش تدخل القضاة في هذا المجال ليشمل أي انتهاكات غير مبررة ترتكبها أي جهة حكومية.
يُظهر هذا الحكم أن القضايا المتعلقة بالهيئات العامة لا يتوجب أن تُعرض بالضرورة على المحاكم الإدارية ويمكن معالجة الإجراءات الإدارية التي تنتهك الحريات العامة أو الحقوق الأساسية بشكل سريع من خلال عرضها أمام قاضي الأمور المستعجلة. كما أنه يمنح القضاء صلاحية إصدار أوامر ضد الهيئات العامة وفرض غرامات كعقوبة وهو أمر لا يمكن للمحاكم الإدارية القيام به قانونيًا حيث تفتقر إلى سلطة فرض العقوبات على الهيئات العامة.
يمثل هذا الحكم أيضًا تحولًا رمزيًا وجوهريًا من ثقافة المجاملة إلى ثقافة المحاسبة. فبينما كانت المديرية الرئاسية تعتقد أن لها الحق في منع أي وسيلة إعلامية من دخول القصر الرئاسي بسبب توجيهها خطابًا للرئيس اعتُبر غير لائق وأنه لا يمكن مساءلتها على مثل هذا القرار، جاء الحكم لينفي ذلك مشددًا على أن المديرية الرئاسية لا تتمتع بأي امتياز خاص أو حصانة، وأنها تخضع للمساءلة مثلها مثل باقي الهيئات العامة وفقًا لمبدأ فصل السلطات.
أخيرًا، يجدر بالذكر أن هذا القرار، إلى جانب قرار آخر صدر عن محكمة المطبوعات في بيروت، يشكلان ثاني قرار خلال أقل من عام ينتهي بتقييد مفهوم “كرامة رئاسة الجمهورية” بما يتماشى مع مبادئ الديمقراطية.
يوضح المنظور العالمي كيف تأثر قرار المحكمة بمعايير سواء من منطقة واحدة أو عدة مناطق.
تُشير أهمية هذه القضية إلى مدى تأثيرها وكيفية تغير مدى أهميتها بمرور الوقت.